إدارة النظام السياسي العربي للملفات الإقليمية الصعبة والشائكة تتميز بالبؤس الشديد، وبعدم القدرة على اقتحام مجالات حساسة هي في الأصل جزء لا يتجزأ من أسس ومستلزمات الأمن القومي العربي.
فقضية محورية مثل قضية الصراع العربي-الإيراني التي تفاعلت في المنطقة اعتبارا من العام 1979 تحديدا بعد تبلور الاستراتيجية الثورية الإيرانية الهادفة لتصدير الثورة، وإسقاط أنظمة المنطقة، ظلت تراوح مكانها، رغم أن المنطقة بسببها عاشت إيقاعات عسكرية عنيفة بعد اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية العام 1980 والتي كانت أسبابها الرئيسية التوجه الاستراتيجي للنظام الثوري الإيراني لإسقاط الأنظمة عبر شعار تصدير الثورة الشهير وبناء المجال الحيوي الثوري الإيراني الذي اصطدم بإرادات إقليمية ومشاريع قومية، فكان الانفجار الكبير الذي تخللته عمليات إرهابية كبرى هزت الشرق كان النظام الإيراني طرفا أساسيا ورئيسيا في دعمها وتعزيز منظومتها، وبناء قلاعها الحصينة، فتعرض العراق ولبنان والكويت ودول الخليج العربي لأعمال إرهابية كبرى كان النظام الإيراني، ومن خلال خلاياه الحزبية والثورية، مسؤولا عنها مسؤولية مباشرة. ورغم سنوات الحرب والترصد ومن ثم إسدال الستار على الحرب العراقية-الإيرانية في العام 1988، والانكفاء الإيراني على الداخل بعد الفشل التكتيكي في تحقيق الأهداف الاستراتيجية إلا أن التكتيك قد تغير، أما الاستراتيجية ظلت ثابتة عبر بناء القواعد والجسور والمحطات للجماعات المتعاونة وتجييش الطائفية الرثة وجعلها في خدمة المشروع الإيراني القديم الطموح!
النظام الإيراني، وطيلة عقد الثمانينات من القرن العشرين، كان يؤسس القواعد ويبني البرامج ويجند العناصر ويجهز الجماعات المرتبطة به، ويتدخل في دول الجوار، وهو حتى الوقت الحاضر يحاول قلب الأنظمة الخليجية بعد أن مكنته الظروف الدولية من السيطرة المباشرة والكاملة على أربعة عواصم عربية بينها عاصمتي الخلافة الإسلامية، دمشق وبغداد، إضافة الى بيروت وصنعاء، هذا غير الحديث عن اللوبيات النشطة والقوية العاملة لخدمة المشروع الإيراني في بعض دول المنطقة.
لقد تحدث رفسنجاني، قبل سنوات وأيام كان رئيسا للجمهورية، حول قدرة الجندي الإيراني على التحرك بحرية بين كابول الأفغانية وبيروت على سواحل المتوسط، وقد تحقق هذا الوعد فعلا وبات الحرس الثوري يقاتل في بغداد ودمشق وبيروت ولربما أماكن أخرى!، أما الجماعات والعصابات المرتبطة به بدءا بـ “حزب الله اللبناني”، والأحزاب والعصابات الطائفية العراقية التي أضحت تلوث وجه الشرق، وفي مواجهة ذلك المشروع الإيراني العملاق الطموح المستهدف للوجود العربي الذي أوصل عملاء وأتباعا مباشرين للنظام الإيراني للحكم في بعض دول المنطقة، ماذا فعل العالم العربي؟ وكيف تعامل مع التهديدات الميدانية الإيرانية؟ ولماذا أهمل النظام السياسي العربي التعامل العلني والصريح مع قوى المعارضة الوطنية الإيرانية التي تمثل الوجه الحقيقي للشعب الإيراني، وهي المعبرة خير تعبير عن مصالحه وبما قدمته من تضحيات دموية رهيبة في مقاومة النظام الإرهابي كما هو الحال مع منظمة “مجاهدي الشعب” الإيراني التي تحمل راية الكفاح ضد الاستبداد والدكتاتورية والعقلية الخرافية للنظام، فعناصر المنظمة لهم وجود فاعل في العمق الإيراني وهم منبثون في قلب خلايا النظام ويشكل وجودهم في العمق الإيراني حالة متقدمة تسمح بالاطلاع على ما يدور من مخططات وجرائم يخطط لها النظام، ولقد كشفت المعارضة الإيرانية عن كثير من خبايا وفضائح النظام وأحرجته أمام الرأي العام الدولي، وكشفت أوراقه التآمرية، وهي مستمرة في نضالها في ظل أصعب الظروف ودون أن يستفيد العالم العربي من خدماتهم عبر فتح نوافذ الاتصال وبوابة العلاقات وبما يعزز من التلاحم النضالي والكفاحي ومقاومة الديكتاتورية بين الشعبين العربي والإيراني والوصول الى قواعد اتفاق لمستقبل واعد وسلمي في العلاقات، ليس طبيعيا ولا مقبولا جدار الصد العربي نحو المعارضة الإيرانية، بل ينبغي وفقا لقواعد اللعب السياسي الناجح اللعب بورقة المعارضة الإيرانية بحرفية وذكاء والتخلي عن فكرة الرعب من إغضاب النظام الإيراني، فذلك النظام يحمل نوايا عدوانية مكشوفة وأهداف واضحة لا يخفيها لإسقاط الأنظمة العربية، فلماذا يحجم العرب عن ملف مصيري واستراتيجي مثل هذا الملف؟
ندعو لانفتاح عربي وخليجي شامل على المعارضة الوطنية الإيرانية لما في ذلك من فوائد جمة يعلمها علم اليقين صانعو القرار في المنطقة، مدوا يد الصداقة والتعاون مع الشعب الإيراني الحر من خلال مجلس المقاومة الوطنية الإيرانية المعبر الشرعي عن الشعب الإيراني. الوقت مناسب جدا لتلك الخطوة، فالنظام الإيراني بكل تأكيد لن يخرج سالما من مغامرته الإرهابية في سورية، وعلى العرب التعامل مع إيران المستقبل… فما تراكم فاعلون؟