تعتبر إشكالية التقاعد، ظاهرة عالمية فرضت نفسها باعتبارها أولوية سياسية، اقتصادية و اجتماعية على مجموعة من بلدان العالم. وبالنظر لما عرفه العالم من تحولات ديمغرافية خلال الخمسين سنة الأخيرة، فقد شرعت مجموعة من الدول منذ أواخر التسعينات في إطلاق أوراش إصلاح أنظمة معاشاتها، وذلك للحفاظ على توازنها من جهة، و لإستمرار قدرتها على تدبير تقاعد الأجيال القادمة من جهة اخرى.
قبل الخوض في غمار مناقشة إصلاح التقاعد بالمغرب، وجب التأكيد على أن أنظمة التقاعد تم تشكيلها في ظرفيات متعددة، للإستجابة لفئة محددة. تتصف بتنوعها و تباعدها، و الخطير أنها تدبر تحت وصايات مختلفة و بتشريعات متباينة.
- نظام تقاعد مدني يتولى تسييره الصندوق المغربي للتقاعد CMR, و يطبق على موظفي الدولة المدنيين و موظفي الجماعات المحلية و بعض المؤسسات العمومية (حوالي مليون نشيط)؛
- نظام تقاعد عسكري يتولى تسييره الصندوق المغربي للتقاعد CMR، ويطبق على القوات المسلحة الملكية، و القوات المساعدة؛
- نظام يهم مستخدمي المؤسسات العمومية و المياومين و المتعاقدين مع الدولة و الجماعات المحلية، والذي يتولى تسييره النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR ( حوالي مأتي ألف نشبط)؛
- نظام إجباري أساسي يطبق على موظفي القطاع الخاص، و يدبره الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS (حوالي ثلاثة مليون نشيط)؛
- نظام تكميلي لفائدة مستخدمي القطاع الخاص، يدبره الصندوق المهني المغربي للتقاعد CIMR (حوالي ثلاثمائة ألف نشيط).
لفهم إشكالية التقاعد بالمغرب، لابد من التعريف أولا بمسببات هذا المشكل الذي يمكنه أن يرهن الأجيال القادمة، إذ يتسم النظام الحالي للتقاعد بالسمات البارزة التالية:
التفكير في إصلاح التقاعد بالمغرب، ليس بمسألة جديدة، بل تعود بداياته إلى سنة 2003، إذ أنه بعد توقيع اتفاق 30 أبريل بين الحكومة و الفرقاء الإجتماعيين و الإقتصاديين في إطار الحوار الإجتماعي، و هو الحوار الذي أكد على ضرورة عقد مناظرة وطنية لإصلاح التقاعد. من توصيات هذه المناظرة إحداث لجنة وطنية مكلفة بإصلاح التقاعد في يناير 2004، تحت رئاسة الوزير الأول أنذاك، السيد إدريس جطو، والتي اشتغلت لسنوات حول مجموعة من الدراسات إلى حدود سنة 2010.
مايمكنه حسبانه لهذه الحكومة هو شجاعتها لحل هذا المشكل العويص،رغم افتقادها لرؤية شاملة، إذ رغم أن أزمة صناديق التقاعد تشمل ثلاثة صناديق من أصل أربعة على المدى القريب، إلا أن الحكومة اهتمت فقط بإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد دونما الصناديق الأخرى، بل أكثر من ذلك، هذا الإصلاح لن يستطيع سوى تأجيل عجز الصندوق لسنة 2028 و ذلك عبر إصلاح مقياسي، من 04 نقط:
المسكوت عنه في رؤية الإصلاح الحكومية لمنظومة التقاعد، يمكن تلخيصه في عدة نقط، أولا، تهويل الحكومة لخطورة الأزمة، بتعليلها أنه بحلول 2021، و إذا استمر الوضع على ماهو عليه، فإن أصحاب المعاشات لن يستطيعوا تحصيل تقاعدهم. لكن، الخطير و المزعج في الأمر، أن الكارثة التي نعيشها اليوم قبل 2021، تتجلى في أن ثلثي الساكنة لا تتوفر على معاش للتقاعد أصلاً. ثانيا، عدم وضوح إصلاح شمولي لجميع الصناديق، إذ لا نعلم ما مصير الصناديق الأخرى المهددة هي الأخرى، في الأمد القريب. ثالثا، تحميل الموظف كلفة إصلاح مؤقت من جميع النواحي (زيادة في سنوات العمل، زيادة في الإقتطاعات، تخفيض في المعاشات). رابعا، كيف لحكومة مافتئت تنادي بضرورة تكافئ الفرص، أن تعاقب موظفا سيخرج على المعاش، ذنبه الوحيد أنه مزداد في أوائل الستينات. خامسا، صمت الحكومة حول تقاعد البرلمانيين و الوزراء، إذ أن صمتها هذا يقوض مجهوداتها نحو عدالة اجتماعية.
ختاما، ولكي لا نكون فقط سلبيين، و يقال عنا أننا ننتقد من أجل الإنتقاد، فإننا نسمح لأنفسنا بتقديم بدائل لإصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب، إصلاح لا يمكنه النجاح إلا بالأخد بعين الإعتبار للعوامل التالية:
تشجيع أصحاب المهن الحرة، أصحاب العمل غير المأجورين، و الخاضعين للضريبة المهنية على الإنخراط في صناديق التقاعد و ذلك من أجل توسبع وعاء الساكنة النشيطة المنخرطة، و بالتالي ضمان ديمومة الأنظمة للأجيال القادمة.
إعفاء كل الموظفين المزدادين في أوائل الستينات من الإصلاح، لأنهم تجاوزوا اليوم الخمسين من العمر، من الصعب عليهم تفهم الوضع.
صحيح أن إصلاح أنظمة التقاعد تحتاج لشجاعة حكومية، تعتبر مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. لكن، الأهم يتجلى في وجوب توفر رؤية شاملة للإصلاح دونما المساس بمكتسبات الساكنة النشيطة الحالية، و لا بفئة المتقاعدين اليوم أو غداً.