ماهي هندسة الخطاب المتطرف؟ ماهي مفاصل الجهة المرسلة لهذا الخطاب؟ ماهي غايات الجهاتالمتطرفة من إصدارهذا الخطاب؟
هذه هي النقط الحارقة التي أطرت عرضا شيقا ألقاه أحمد العبادي ، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، يوم 17 مارس 2016 بقصر الأمم المتحدة بجنيف حول "دور الخطاب الديني في محاربة التطرف".
اللقاء، الذي حضرته "أنفاس بريس"، أطره الخبير الأممي عبد الوهاب هاني، وعرف مشاركة كل من الباحث السعودي يحيي بن محمد والباحث المالطي "ميشيل فوتيي".
أحمد العبادي أوضح أن الخطاب الديني المتطرف ليس قارا، بل يشهد طفرات مستمرة وينتشر عبر عدة فضاءات ومواقع. بدليل، يقول العبادي، أن عدد التغريدات في "تويتر" تتراوح في اليوم بين 40 و45 ألف تغريدة ينتجها الخطاب المتطرف،هذا دون احتساب "احتلاله" للمواقع الاجتماعية الأخرى من فايسبوك ولينكدن وانستغرام إلخ...
الهندسة الكبرى للخطاب المتطرف ، والكلام للعبادي، تقوم على أربعة محاور، وهي عبارة عن أحلام تنتج حقلا مغناطيسيا يجر الشباب للالتحاق بالمتطرفين.
ومن خلال استقراء الأدبيات المكتوبة، سرد العبادي الأحلام المذكورة فيما يلي:
الحلم الأول: حلم الوحدة، وهو الحلم الذي تردد منذ قرون في المنطقة. وهو (أي الحلم) إن لم يكن جديدا فإن المسجل أنه بعد انهيار الخلافة العثمانية عام 1923 بالمشرق وقع فراغ في الشرق، عكس الحال بالمغرب الذي كانت فيه إمارة المؤمنين ولم تحدث القطيعة. هذا الفراغ بالمشرق برزت تجلياته في كون القراركان مركزيا باحتكار السلطة العثمانية للقرار ويتم تنفيذه محليا بواسطة الباشوات. ولما سقطت الخلافة وقع اليتم مما أدى بأصوات إلى المطالبة والبحث عن خلافة جديدة. وأول من نادى بذلك هو حزب التحرير ثم جماعة الإخوان المسلمين والقوميين العرب (بالنسبة لهؤلاء تتجسد الوحدة من مدخل قومي). مطلب الوحدة تم اختطافه من قبل التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها "داعش" بادعائها أنها المؤهلة لتحقيق الوحدة المفقودة.
الحلم الثاني: حلم الكرامة، وهو الحلم المبني على خطاب تردده داعش ومعها كل المتطرفين، مفاده أن المرء إن لم يكن ذا حق فتعالى عندنا (أي إلى المتطرفين) وسنعطيك حقك. وإن لم تكن متزوجا فتعالى عندنا ونزوجك "أتقى" العالمين. وإن لم تكن ذا قيمة فتعالى عندنا ونسمي المعابر باسمك. وإن لم تكن ذو مال فتعالى عندنا ونعطيك المال الوفير. وإذا لاقيتك ربك فتلك هي تذكرتك للدخول للجنة.
الحلم الثالث: حلم الصفاء، ويقوم على أن الآخرين لهم دين ممزوج بالشعوذة فتعالى إلينا لنعطيك الدين الصافي.
الحلم الرابع: حلم الخلاص، وهو الحلم المبني على الفرقة الناجية والصلاح.
هذه الأحلام، يتابع العالم المغربي، اجتمعت لأول مرة في يد واحدة، وهي "داعش".وإذا تركت مجتعة تحدث حقلا مغناطيسيا يخلق جاذبية لدى بعض الشباب بشكل يصعب معه أن يقاوموه.
لكن ذلك ليس قدريا وميكانيكيا، إذ هذا البعد لا يمكن أن يترك بدون استرجاع هذه الأحلام بقابلية القياس. لذلك تم، يضيف العبادي، الاشتغال على دليل لقياس المقاصد الكبرى للدولة، أي الحفظ للحياة وللدين وللكرامة وللنسل وللعقل وللمال. والعمل على هذه المقاصد أدى إلى تفجير كل مقصد إلى جملة من المؤشرات.
واستشهد المحاضر في باب الحفظ للحياة بالتساؤل مثلا عن جدوى عدم وجود المستشفى والطبيب والممرض والعناية قبل الإكلينيكية للمرأة والطفل ثم ما يتبع ذلك من حفظ للحياة في الطرقات وغبرها من الأمور المتصلة بالمقصد. وحينها ستتم مساءلة "داعش" عن المستشفيات والصيدليات وغيرها ليجد المرء أن ما تقوم به هو خلاف الحرص عن حفظ الحياة.
نفس المنطق ينسحب على مقصد الحفظ على العقل: مناهج التربية والتشبع بالعلوم الحديثة.
وبعد أن قال العبادي أن الوقوف على هذه الهندسة يبين أن حقيقة ادعاءات "داعش" وغيرها من التنظيمات المتطرفة، هي ادعاءات واهية وكاذبة، توقف مطولا عند الجراحات العشر التي تشهرها "داعش":
1 الغرب يتآمر لتفكيك العالم الإسلامي بينما هو يتوحد، وبأن "داعش" جاءت لتحقيق الوحدة.
2 الاستعمار، الذي قتل كذا مليون بآسيا وكذا مليون بإفريقيا دون أن تكون هناك هيأة لجبر ضرر الدول المستعمرة سابقا على غرارما حدث لليهود الذي ألزموا الغرب بالاعتراف بالهولوكوست، وبالتالي ف "داعش" تدعي أنها جاءت لتحقيق جبر الضرر بإجبار الغرب على الاعتراف بجرائمه الاستعمارية.
3 إسرائيل.
4 اعتماد المعايير المزدوجة في المنظمات الدولي
5 الإساءة في وسائل الإعلام الدولية
6 نهب الغرب للثروات
7 الكوكتيل الإفغاني العراقي البوسني
8 اختراق القيم
9 تزوير التاريخ والجغرافيا
10 تحريك قضية حرق المصحف الكريم وسب الرسول (ص).
هذه الأمور، نقلا عن العبادي، حين يقصف بها مواطنون غير محصنين يسقطون في الشباك، ثم يشرع المتطرفون في مطرقتهم بشبهات أخرى: (الولاء والبراء، تكوين العلماء الربانيين، دار الحرب ودار الإسلام....).
ماالعمل لمواجهة خطاب التطرف؟ الجواب حسب العبادي لا يمكن أن يتم بدون أجندة.
وهنا تنهد العالم المغربي ولفظ رقما مفزعا، يتمثل في أن العالم الإسلامي، من المغرب إلى أندونيسيا، يضم 5 ملايين من العلماء والوعاظ والخطباء والمرشدين الدينيين، غير أن المرء لايسمع لهم أمرا. وقال بأن الأمر يتعلق بالكفايات ولا يمكن تركهم بدون أدلة لبناء الكفايات والمهارات ليتحملوا مسؤوليتهم. فالمتطرفون ينتجون في اليوم ما بين 40 و 45 ألف تغريدة في "تويتر". فماذا عندنا نحن الذين نتوفر على 5 ملايين من العلماء والوعاظ بالعالم الإسلامي؟
وأردف تابعا: لنفرض أن 3 ملايين لا تريد أن تنغمس في العالم الأزرق فعلى الأقل سيبقى عدد يضم 2 ملايين من العلماء. ألا ينهض هذا العدد لمزاحمة، بل ولطرد "داعش" من احتلال الفضاء الأزرق؟
لكن من هي الطبقات التي تتشكل منها "داعش" ؟
السؤال كان خاتمة عرض الأستاذ العبادي الذي حدد هذه الطبقات في أربع طبقات وهي:
أولا: طبقة الرواد الذين أطلقوا الفكرة بالعراق وسوريا عام 2010 وهؤلاء لا حديث معهم.
ثانيا: طبقة المرتزقة وأفراد هذه الطبقة لاعلاقة لهم بالفكر، بل هم مرتزقة يضعون خبرتهم بيد "داعش" مقابل أموال طائلة. وهؤلاء يضمون الخبير في الأسلحة والمتفجرات والمعلوميات والاستقطاب والالكترونيك إلى غيرها من التخصصات التي تحتاجها "داعش". وهؤلاء لا حديث معهم أيضا، بل المأساة أن الطبقة الثانية ابتلعت الرواد الذين أصبحوا تحت رحمة المرتزقة يملون عليهم ما يجب فعله.
ثالثا: المغرر بهم، وهم إما أساتذة أو خطباء وآخرين، غرر بهم وجيء بهم إلى المنطقة وتقلدوا مناصب هناك.
رابعا: الحطب من الشباب الذين تقذف بهم "داعش" في المحارق.
وقال العبادي أن المجهود ينبغي أن ينصب على الطبقتين الأخيرتين الممكن انتشال أعضائها من أغلال "داعش".