عبد القادر زاوي: العتبة الانتخابية.. فرصة اليسار لتصويب المسار

عبد القادر زاوي: العتبة الانتخابية.. فرصة اليسار لتصويب المسار

في أفق الاستعدادات الجارية للانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب، بدلا من أن يتركز النقاش السياسي حول السبل والوسائل الحضارية والديمقراطية المثلى لتعبئة الناخبين ومحاربة العزوف السياسي المستشري بين المواطنين بغية رفع نسبة المشاركة في الاستحقاق إلى مستوى معقول ومشرف، يلاحظ أن دكاكين التزكية السياسية (الأحزاب سابقا) تركز جدالاتها حول نمط الاقتراع، وتقطيع الدوائر بحثا عن تأمين مكسب آني من هنا أو هناك.

ومن خلال المعطيات الراهنة يبدو أن الأمر محسوم بشكل شبه نهائي لفائدة نمط الاقتراع باللائحة المحلية، وأن تقطيع الدوائر لن يشهد تغييرا كبيرا؛ الأمر الذي جعل الصراع يحتدم حول ما يسمى بالعتبة الانتخابية بين من يرى العتبة الحالية، وهي 6% منخفضة ويريد رفعها إلى مستوى10%، وبين من يراها مرتفعة، ويأمل في خفضها إلى 3% فقط.

واللافت للانتباه أن هذا الموضوع هو الآخر أبرز هشاشة التحالفات الحزبية القائمة سواء على مستوى الحكومة أو على صعيد المعارضة. ففي كلا المعسكرين هناك من يدفع في اتجاه رفع العتبة الانتخابية كما هو موقف حزب العدالة والتنمية قائد التحالف الحكومي، وكذا موقف حزب الاستقلال المعارض، وهناك من يحبذ تخفيضها على غرار حزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة، الذي أبدى ترحيبا ضمنيا باقتراح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الداعي للتخفيض.

الراغبون في رفع العتبة يحاججون بـ :

- الحاجة الماسة مجتمعيا إلى عقلنة الحياة السياسية بدلا من بلقنتها؛ الأمر الذي سينعكس في بروز حكومة قوية وأكثر انسجاما عما هو عليه الوضع الآن.

- ضرورة حث القوى السياسية على الخروج إلى العمل الميداني كي تعرف ببرامجها وتستقطب شرائح جديدة لفائدتها، وإحداث قطيعة شبه كاملة مع أحد أشكال الريع السياسي.

إن أهمية المعطى الأخير تكمن في الإنذار القادم من آخر الاستطلاعات في أوساط الشباب، والذي أكد ليس فقط عزوف الشباب عن الحياة السياسية، وإنما إلى عدم ثقتهم بالقوى السياسية وخطاباتها بنسبة تصل إلى 95%، علما أن الشريحة العمرية بين 20 و35 سنة تمثل 65% من مجموع سكان البلاد.

إن هذا الرقم الصادم الدال على فشل الأحزاب في القيام بمهامها الدستورية إضافة إلى أرقام أخرى من قبيل أن نسبة المواطنين المنتمين أو المتعاطفين مع "الأحزاب السياسية" تتجاوز بالكاد 1% يؤكد أن القوى الراغبة في رفع نسبة العتبة تحاجج بكلمة حق تخفي من ورائها باطلا يتمثل في انتهازية سياسية مفضوحة.

فالمحرك الأساسي لرغبتها لا يتمثل في ترشيد الحياة السياسية وعقلنتها؛ لأنها لو كانت تروم ذلك لطالبت أيضا بتخفيض عدد النواب، وبإلغاء معاشات البرلمانيين كما تطالب قوى مجتمعية عديدة. إن هذه الأحزاب تعتقد أن مزاج الناخبين في الاستحقاق المقبل لن يتغير كثيرا عما كان عليه في انتخابات الجماعات الترابية الأخيرة التي كانت هي أكبر المستفيدين منها.

أما الداعون إلى تخفيض العتبة فيحدوهم الأمل في تأمين حضور بمجلس النواب لاعتبارات شتى تختلف حسب طبيعة القوى السياسية نفسها، وطبيعة تموقعها مجتمعيا، وحسب خلفيتها التاريخية أيضا.

فالقوى السياسية المحسوبة على اليمين (كانت تسمى أحزاب الكوكوت أو الأحزاب الإدارية)، وهي في معظمها خرجت من رحم الدولة العميقة، التي تركتها يتيمة لمصيرها في الشارع السياسي ترغب في تخفيض النسبة حتى تتمكن من الحصول على بعض المقاعد تسمح لها بالمساومة عند تشكيل التحالفات الحكومية من موقع أفضل لرفع نسبة استفادتها من الريع السياسي غير مكترثة بأن ذلك يعزز بلقنة الخريطة السياسية بشكل يساعد مستقبلا على إفراز تحالفات هجينة حكومية أو نيابية أكثر سريالية مما نراه الآن. وهي تحالفات عقيمة، كما نرى، تنهش في بعضها البعض أكثر مما تتخاصم مع معارضيها.

خلافا لتلك القوى اليمينية تبدو مطالبة قوى اليسار والقوى المحسوبة عليه بتخفيض نسبة العتبة الانتخابية مستغربة وربما مستهجنة؛ لأن رفع النسبة يمثل في الحقيقة فرصة ذهبية لها من أجل العمل على توحيد قواها وفصائلها الجمعوية بعيدا عن الأنانيات الفردية لقياداتها.

ولاشك أن انتهاز الفرصة يتم عبر بلورة مشروع مجتمعي بديل لما هو معروض الآن بصخب على المغاربة، الذين يجدون أنفسهم في ظل اندحار اليسار محشورين في الاختيار بين لبرالية متوحشة تمهد الأجواء لإدارة توحش بدأت تتجسد في العديد من المناطق عبر العالم العربي والإسلامي، وبين لبرالية كاسحة قضت على الطبقات المتوسطة باعتبارها صمام أمان في المجتمع، ناقلة الفجوة بين طبقاتها وشرائحه إلى هوة واسعة.

إنها لحظة تاريخية أمام اليسار لتقديم البديل العملي المنسجم مع تطلعات الشعب المغربي التواق إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتأمين الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية بعيدا عن التغول والمحسوبية والزبونية. فهل تستغل قوى اليسار الفرصة لتصويب المسار؟