محمد باسك منار: الكوطا الشبابية تظل بدون فائدة وهي نوع من الريع الذي تستفيد منه بعض العائلات

محمد باسك منار: الكوطا الشبابية تظل بدون فائدة وهي نوع من الريع الذي تستفيد منه بعض العائلات

يضم مجلس النواب 395 عضو ينتخب 305 منهم بالاقتراع العام المباشر عن طريق اللائحة عبر الدوائر الانتخابية، بينما تكون حصة محددة في 90 عضو عبر لائحة وطنية يمثل فيها الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35  سنة نسبة الثلث بـ 30 مقعد.. لكن لائحة  الشباب هذه داخل مجلس النواب والمتوافق في شأنها من طرف الأحزاب باتت في الآونة الأخيرة مثار جدل ونقاش جعلت بعض الأصوات تطالب بإلغائها، واعتبرتها مجرد "ريع سياسي". "أنفاس بريس" اتصلت بخصوص هذا للموضوع بالدكتور محمد باسك منار، أستاذ بكلية الحقوق بمراكش وصاحب دراسة ميدانية بعنوان "المشاركة السياسية والانخراط المدني للشباب المغربي بعد تحولات الربيع العربي" الصادرة في أكتوبر 2015 عن مؤسسة قرطبة للأبحاث، فوافانا بالتصريح التالي:

"مرة أخرى نجد أنفسنا أمام نقاشات انتخابية تمليها حسابات سياسوية ومصالح نخبوية ضيقة، من مثل كوطا الشباب ونسبة العتبة، هذا في الوقت الذي تعرف فيه الانتخابات بالمغرب أعطابا بنيوية عميقة، كاستشراء الفساد وهشاشة التمثيل وضعف الفعالية.. ويبدو أن هناك إرادة تسعى دائما إلى تهريب النقاش بمناسبة الانتخابات إلى بعض القضايا الجزئية ليكون انشغال الرأي العام بها وليتسنى لبعض الجهات هندسة التحكم في الانتخابات بالشكل الذي تراه مناسبا. هذه ملاحظة أولية، أردت التأكيد عليها، أما بخصوص كوطا الشباب، فمعلوم أن إقرار هذه الكوطا كان في انتخابات 2011 بتخصيص 30 مقعدا للشباب دون سن الأربعين على مستوى اللائحة الوطنية، وكان ذلك في سياق التفاعل مع الحراك الشعبي، الذي كانت نواته الأساسية من الشباب. وكانت مسألة الكوطا ضمن مجموعة من الإجراءات الأخرى التي تمت لفائدة الشباب.. فدستور 2011 أوجب على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد، كما نص على إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، والقانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية نص على أن يعمل كل حزب سياسي على توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية السياسية للبلاد، وجعل من الضروري أن يحدد كل حزب سياسي في نظامه الأساسي نسبة الشباب الواجب إشراكهم في الأجهزة المسيرة للحزب. إذن مسألة الكوطا الانتخابية للشباب أتت ضمن سياق معين. لكن بغض النظر عن هذا السياق، تبقى مسألة الكوطا سواء بالنسبة للشباب أو المرأة حلا استثنائيا، كما ذهب إلى ذلك المجلس الدستوري، فالوضع الطبيعي هو أن يترشح الشباب للانتخابات بشكل عادي، والكوطا تكون في مرحلة انتقالية تأهيلية في انتظار هذا الترشح العادي للشباب، لكن يظهر اليوم أن هناك من يريد أن يجعل من الكوطا بالنسبة للشباب مكتسبا دائما، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى يمكن أن نتساءل هل فعلا حققت الكوطا إضافة نوعية في المشاركة السياسية للشباب؟ بتعبير آخر ألم تكن هناك حلولا كانت ربما أجدى وأنفع؟ بنوع من التقييم يلاحظ أن وجود لائحة للشباب على مستوى مجلس النواب لم يكن لها أي تأثير إيجابي لا على مستوى مكانة الشباب في السياسات العمومية، ولا على مستوى إسهام الشباب في صناعة السياسات العمومية، بل يلاحظ أن مجلس الشباب الذي نص عليه الدستور لم يتشكل بعد، ومجموعة من المبادئ الدستورية لا تزال حبرا على ورق، ومجموعة من الاحزاب بقيت بعيدة كل البعد على ما نص عليه القانون التنظيمي للأحزاب السياسية.

وبلغة الأرقام نجد أن الشباب أقل من 35 سنة لم يمثلوا في انتخابات 2011 سوى %27.09 من الترشيحات، و9.6% فقط من وكلاء اللوائح، و29.41 في المئة من الترشيحات في الانتخابات الجماعية و26.89 في المئة في الانتخابات الجهوية، التي جرت مؤخرا.. وتظل هذه النسب دون النسبة التي يمثلها الشباب في المجتمع، مما يعني أن الكوطا لا تحل المشكل مادامت هناك ثقافة سياسية لا تقدّر الشباب، ومادامت هناك بعض الأحزاب السياسية لا تؤمن بشيء اسمه تجديد النخب. فهذا التخلف على مستوى الثقافة السياسية وعلى مستوى بعض الأحزاب السياسية جهل مسألة الكوطا الشبابية دون فائدة، بل جعل منها فعلا نوعا من الريع تستفيد منه بعض العائلات.

في الختام أود الإشارة إلى مفارقة بخصوص موقف الحكومة، ففي الوقت الذي تبدو فيه وزارة الداخلية متحمسة لإلغاء كوطا الشباب وتعويضها بإجراءات أخرى، يلاحظ أن السيد بنكيران ألمح في لقائه مع شبيبات الأحزاب الممثلة في البرلمان إلى الإبقاء على مسألة الكوطا. على أي، يبدو من الضروري في حالة الإبقاء على الكوطا تقييدها بمدة زمنية، قد تكون ولاية أو ولايتين، وذلك لتأكيد طابعها الاستثنائي، وحتى لا تصير مكتسبا دائما لدى البعض. مع التأكيد مرة أخرى على أن هذا النقاش يبقى جزئيا في غياب نقاش جوهري يرتبط بسلامة الانتخابات وفعاليتها، أي بمدى ارتباط القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وغيره بالعملية الانتخابية، وبالمؤسسات التي تفرزها الانتخابات.