هكذا قضت إفران نهاية أسبوعها الثلجي.. شلل في السير، وتساقط الثلوج (مع فيديو)

هكذا قضت إفران نهاية أسبوعها الثلجي.. شلل في السير، وتساقط الثلوج (مع فيديو)

شاحنات، سيارات، حافلات.. العشرات من هذه المركبات، فاقت مدة توقفها على طول المدخل الرئيسي لمدينة إفران.. أكثر من ثلاث ساعات، تباينت وجهاتهم، لكن الهدف واحد، الخروج من إفران بأقسى سرعة، فالثلوج تتساقط من الساعات الأولى من يوم أمس السبت 27 فبراير الجاري، وسرعة الرياح تزداد، وتداخل بياض الأرض مع السماء، والطرق مع ممرات الراجلين، وضاق أفق الرؤية.. فمهما كانت مناظر تساقط الثلوج مثيرة للبعض، فإن ساعات الفرح والانتشاء واللعب بكرات الثلج لن تطول..

الساعة الرابعة صباحا: هطول مكثف للأمطار، وثلوج خفيفة.. مع إشراقة هذا اليوم، بدأت أفواج الزوار، يتقاطرون على المدينة، كل الترتيبات اتخذت من أجل التصدي للعواصف الثلجية التي بدأت في الساعات الأولى من الصباح، سيارات شخصية، وحافلات عمومية، تحمل زوارا جلهم من الشباب والصغار، "تحدوا" النشرة الإنذارية لأحوال الطقس، مادام أن لحظة التمتع بالثلوج، لحظة لا تنسى وهي محدودة في الزمان والمكان، بعضهم تحلق حول رمز المدينة، الأسد الحجري، الذي لا تؤثر فيه عوامل الطقس، من الحرارة الدنيا إلى الحرارة المرتفعة، ومن أشعة الشمس إلى أكوام الثلوج.. أفراد الشرطة، كل في موقعه، فاليوم هو ضمن نهاية الأسبوع، وككل نهاية أسبوع، يتم الاستعانة بعناصر إضافية قصد التغطية الأمنية، إذ عشرات الآلاف من المواطنين، يقصدون "سويسرا المغرب".. على طول الشوارع الرئيسية، كان "السماسرة" يصطفون حاملين مفاتيح الشقق للاستئجار، وهي مناسبة لمضاعفة ثمن الإيجار أضعافا مضاعفة.. محلات السوق المركزي "المارشي"، تتأخر في الفتح، لكن نهاية الأسبوع، تنشط الحركة التجارية، لهذا يتغير توقيت الافتتاح والإغلاق، تبعا ل "الكثافة السياحية"..

"توقفنا عدة مرات قبل دخول إفران، وهناك بعض أصحاب السيارات، قاموا بنصف دورة، وعادوا من حيث أتوا". تحدثت شابة لموقع "أنفاس بريس": "الأمر لا يتعلق بتحدي النشرة الإنذارية، وإنما هي روح الاكتشاف وعيش هذه اللحظات الجميلة من تساقط الثلوج، نحن قادمون من مدينة الرباط، ومنذ أسابيع ونحن نخطط لهذه الرحلة الجماعية، ومع ذلك فقد اتخذنا كافة الاحتياطات التقنية فيما يخص السيارة، واحترام علامات التشوير، ولو كان هناك خطر كبير، لما سمح لنا عناصر الدرك الملكي بالمرور".. تلتحق الشابة بمجموعتها، وهي تحمل هاتفها النقال، تلتقط صورة لها على شكل "سيلفي"، مع أسد إفران..

منتصف النهار (أمس السبت): تزداد حركية الراجلين بمركز المدينة، لا يعيقهم استمرار تساقط الثلوج والرياح.. بحركة يده، يشير حارس السيارات لأحد السائقين، بأنه لا يوجد مكان للوقوف، فكل الجنبات والمواقف اصطفت فيها المئات من السيارات، كما امتلأت جنبات المقاهي والمحلات التجارية، فيما كانت الأدخنة تتصاعد من هذا المحل أو ذاك، فرائحة الدجاج المشوي على الفحم، تسيل لعاب الزوار. "هاذ البرد كيجيب الجوع"، يقول شاب لصديقه، فيما الآخر يجيبه "مكرهناش شي بيصارة نفتحوا بها".. المواد الغذائية ووجبات الأكل، تعرف تباينا في أثمنتها بين هذا المحل وذاك، لكن لكل وسائل إقناعه، وطريقة تسويق وعرض منتوجه.. "هناك لجان مختصة تقوم بين الفينة والأخرى بمراقبة الأثمان، ومع ذلك هناك هامش للبيع نتحرك فيه، نراعي فيه تكاليف وجبات الأكل"، يقول صاحب مطعم..

على الجانب الآخر من إفران وبالضبط بمحطة ميشليفن، هناك أضعاف مضاعفة من الزوار، صغار وكبار يعيشون لحظات الفرح والسرور، يتقاذفون كرات الثلج، ويلتقطون صورا للذكرى..

الرابعة بعد الزوال: الأمر يزداد سوءا، اضطرت معه المصالح المختصة لإغلاق كلي لمدخل المدينة من جهة فاس، وأعطيت أوامر صارمة في التعامل مع السائقين في هذا الصدد، وكان حاجز الثلج لا يرفع إلا بعد مرور ساعة إلى ساعتين، حسب مصادر "أنفاس بريس"، فقد تم السماح بالمرور للمقيمين بإفران، فيما كان مدخل المدينة من جهة الحاجب، مفتوحا بشكل متقطع، "نمنع مرور المركبات، بشكل متقطع، حتى نضمن سيولة للسير بشكل لا يؤثر على الوضع، وهناك تنسيق بين مختلف العناصر الدركية والأمنية خارج المدينة وداخلها"، يقول أحد  الأمنيين المكلفين بالسير والجولان بالمدينة"..

مع مرور الزمن، تبدأ حركية الخروج من المدينة، عدم انقطاع تساقط الثلوج، صعب من مسؤولية السياقة، وخصوصا عند من ليس لديهم تجارب في تقنيات السياقة وسط الثلوج، مع العلم بأن هناك عجلات الصيف والأرض الجافة، وأخرى للشتاء والمناطق الثلجية..

"نحن هنا منذ ثلاث ساعات، ومع مرور الوقت تتحول سيارتنا لكومة من الثلج"، تقول إحدى المواطنات، طفلها الصغير الذي لا يتحاوز الأربع سنوات يحاول جاهدا الرؤية خارج السيارة، فالثلوج غطتها بشكل كلي، ينزل الزوج حاملا "كراطة"، لإزالة الثلوج، ومع ذلك ما إن يتمم دورته حول زجاج السيارة، حتى تغطي قشرة سميكة السيارة كلها، يحس بالتعب، يقرر الدخول للسيارة وإشعال جهاز التدفئة، وكأنه يستسلم لقدره الأبيض.

شبان آخرون، استغلوا توقف محرك سيارتهم، لتحريك أطرافهم، يرمون بعضهم البعض بكراث الثلج، والمشي لأمتار، بينما كان البعض الآخر منهمكا في ممارسة الإبحار عبر المواقع الاجتماعية، يلتقط "سيلفي"، رفقة شجرة غطيت بالكامل برداء أبيض من الثلوج، وبين الفينة والأخرى، كانت تسمع منبهات السيارات "كلاكسون"، وكأنها رسالة لمجهول، مفادها "إنا هنا".. تمر الساعة تلو الأخرى، ولا مركبة تتحرك من مكانها، حتى أن أحد السائقين استغرق في النوم، ولما استفاق وجد صعوبة في فتح الباب، هو حصار ثلجي بكل معنى الكلمة..

على طول الطريق، كان بضع شبان يرتدون أقمصة مميزة، يساعدون "المحاصرين"، إنهم جمعويون متطوعون لتقديم المساعدات، من قبيل التواصل وشرح سياق هذا التوقف، وتقديم الشاي والقهوة الساخنتين.. "طلبت منا المصالح الجماعية، مساعدتها في تسهيل عمليات السير والجولان"، يقول أحد المتطوعين، مضيفا في لقاء مع "أنفاس بريس"، أنه يشكل رفقة زملائه فريقا للتطوع، "نحاول مساعدة السائقين عبر دفع السيارات التي تعيق تحركها الثلوج، وكذا تنظيم عمليات السير والجولان، طبعا نحن لا نتوفر على إمكانيات لوجستيكية من أجل إزاحة الثلوج من الطريق، لكن هناك عربات خاصة تابعة للسلطات العمومية، تقوم بهذه العملية"..

من داخل الحافلة المتوجهة نحو تطوان، كان ركابها يمسحون بأيديهم زجاجها، لمعرفة ما يجري بالخارج.. شبان وشيوخ وأطفال نساء ورجال، بدت روح التضامن بينهم عاليا، وهم يتبادلون بعض قطع البسكويت أو الخبز أو قنينات الماء، إلى جانب التحاف بعضهم بغطاء أو شبه غطاء، بل من الركاب من تقاسم مع رفيقه جلبابا، فدرجة الحرارة بلغت حد أدنى، وصلت لأقل من خمس درجات، توقف اضطراري استغله السائق في الاتصال بمالك الحافلة يخبره بالوضع، فيما كانت يده تمتد لمفتاح المحرك، حتى لا يصاب بالتجمد.

"إلى متى سيستمر هذا التوقف؟"، هو السؤال المحوري لكل "المحاصرين"، لا أحد يجيبهم، مادام أن الوضع يشرح نفسه، فتساقط الثلوج طيلة اليوم، تعيق السير، ومستوى الثلوج يزداد علوا وصلابة، وحتى آلة إزاحة الثلوج، وجدت صعوبة في فتح ممرات أخرى، "نشتغل منذ الصباح الباكر، ونحاول قدر المستطاع، فك هذا الحصار، لكن دون نتيجة"، يقول أحد المكلفين بإزاحة الثلوج، ومع مرور الساعات، وتساقط الثلوج يزداد الوضع سوء..

الساعة السادسة مساء، بدأ الظلام يعم مدينة إفران، ورغم الإنارة العمومية المقبولة، فإن أكوام الثلوج المتراكمة على جنبات الطرق، صعب من مأمورية السياقة، كما أن وقوف السيارات في صفوف متراصة ومتقاربة صعب من مأمورية شاحنة إلى شاحنتين مكلفتين بإزاحة الثلوج، حتى أن بعض السائقين، أصيب بالتعب الشديد وهو يحاولا جاهدا إزالة طبقة سميكة من الثلج على واجهة السيارة، بعض السيارات تعطلت أجهزة مسح واجهتها، فكان الإبداع المغربي، هو ربط فوطة بعصا طويلة وإخراج الراكب جنب السائق ليده مزيلا الثلوج.. في حين بعض السائقين "يخربش" في أسلاك وأنابيب محرك سيارته، وآخر يطلب المساعدة لإخراج سيارته.. ولأن مدة التوقف تصل لساعات طوال، في انتظار رفع حواجز الثلج، فقد أخذ الجوع من بعض المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين، بعيدا عن محلات التغذية..

الساعة العاشرة ليلا، بدأت حركة السير تخف شيء فشيء، لكن من فكر في أن يخرج من إفران ليلا، وجد أن المئات كان لهم نفس التفكير، ليجدوا أنفسهم على بعد كيلومترات قليلة، ممن قرروا الخروج من إفران ابتداء من الساعة الرابعة عصرا، لتزداد الأزمة المرورية، وترتفع جينات "الأنا" والحلول الفردية، مما أوقع بعضهم في مخالفات مرورية تتعلق بالسير في الاتجاه المعاكس، بل وعرقلة السير على الاتجاهين معا.. فكان لابد من التفكير الجماعي للخروج من هذه الأزمة، جعلت بعض المواطنين يتكلفون بتنظيم حركية السير خصوصا على مستوى المدارات.

وبقدر الحرص على دخول المدينة صباحا كان الحرص أكثر على مغادرتها مساء، وبين دخول المدينة وخروجها، كانت ساكنة إفران، تراقب الوضع، متخذة كافة الاحتياطات لمقاومة حصار من نوع آخر، هو الحصار الثلجي، لتودع مدينة إفران زوار يومها الأول، في انتظار أفواج أخرى هذا اليوم الأحد 28 فبراير الجاري..

رابط الفيديوهنا