عبد اللطيف برادة: لماذا نكره النقد؟

عبد اللطيف برادة: لماذا نكره النقد؟

كلنا نكره النقد، ذلك مع العلم أن النقد هو الأداة الأنفع لكشف القصور والخلل في كل ميادين الحياة، بل ولعله الوسيلة الأهم لإصلاح انواع وألوان الفساد في المجتمع، وهو أداة التصويب كذلك في مجال الفكر والعلم والآداب وكل الفنون.

لكن قبول فكرة النقد لا يعني أبدا أن علينا أن نغفل على أن للنقد شروطا واضحة وملزمة، وأننا إن تخلينا حتى على البعض منها لن يعود في هذا الحال ذلك الذي نعتده تصويبا للاعوجاج نقد أبدا، كما أنه لن تعود له في هذه الحالة أي فائدة بتاتا.. وإن كان للنقد قيودا مشروطة فأول شروط النقد هي أن يكون نزيهاً. فالناقد الأصيل، بكل تأكيد لا يكتب لمجرد تصفية حسابات قديمة، ولا من أجل تشويه الخصوم، كما أن الناقد النزيه لا يكتب مقالته قصد إثبات أنه الأعلم والأكثر صواباً والأعظم اطلاعاً.

فكل هذه الأساليب مهما أدركت من بلاغة أو شعبية لدى القراء لا تعين الفرد أو الإدارة أو الحكومة المنتقدة لتصويب ما فسد في تسيير الشأن العام ورعاية مصالح المواطن المتضرر الأول من الأخطاء والتي قد يكون المجتمع في أمس الحاجة لإصلاحها.

وفي الحقيقة كثيرا ما نجد ما يشابه هذا في صحافتنا، بل وما هو دون ذلك وأشد سوءاً، بل وغالبا ما لا تجد أحدا من الكتاب ينتقد جهة ما إلا ورأيت صفاً من الأبواق وراءه يردد ما كتبه كرجع الصدى بدون اضطلاع متأن واقتناع تام.

كما أننا نرى ضمن هذه النوعية من الكتاب من ينتقد المجهول من الأفراد من دون توضيح لمن يتوجه نقده، فتجده ربما لاجتناب أي مسائلة أو لضعف حيلته لا يتقدم بنقده بصراحة، فتجده يبهم نقده حتى يظل في منآى عن السؤال، فينهال بالنقد من دون أن يمنح القراء الفرصة للتعرف على الشخص المقصود، وهكذا تجده يفعل ذلك ربما لأنه اعتاد على أن يكون ناقدا للمجهول، ولما لا ما دام هذا هو الأسلوب الأريح بالنسبة له.

لكن وإن كان وراء ذلك الأسلوب من الكتابة أسباب كثيرة قد يكون ضمنها سوء نيه إلحاق الضرر والتشويه بالخصم ليس إلا.

ولكن حتى وإن كان غالبا ما ينطوي النقد على رغبة آثمة في نفس المنتقد للتشويه بالخصم، فمما لا أشك فيه أنه هناك في الجانب الآخر كذلك ضمن العقلاء من القراء من لهم كفاية من الفطنة لاكتشاف هذه الألوان المقيتة من النقد لإهمالها، وهي في حقيقتها ليست نقداً بقدر ما هي هجاء كهجاء الجاهلية.. ولهذا تجد من السهولة بمكان اكتشاف كتاب تلك المقالات مع دراية مقصدهم ونواياهم، وطبعاً في هذا الحال لن يستفيد المجتمع من هذا النقد ولا الناقد أيضا ما دام الشخص المقصود غير معلوم لدى الناس.. ولهذا السبب قد يضيع هدف المقال والكاتب، وقد يذهب جهده أدراج الرياح فلا يمسك منه ذرة منفعة بسبب الغموض الذي يلفه.

ولهذه الاسباب كلها أرى أن هذا النوع من النقد ليس إلا نوعا من المرض أو الترف النفسي الذي يلتبس على صاحب النقد.. ومن الأفضل إذن لهذه الصحف التي تتشر البعض منه كلما سنحت الفرصة التخلص من هذه الشائبة المضرة بالقارئ والصحافة المجدية حتى يصبح لنقدنا فائدة تعود على مجتمعنا بمنفعة.