مساء يوم الأحد 6 ماي 2012، الأجواء ودية وأخوية في قلب العاصمة الفرنسية باريس، خلقها حشد غفير من المواطنين وهم في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية حيث صور الرئيس الجديد تؤثث المكان.
بالنسبة لـ"آن"، فإن كل المؤشرات توحي برؤية جمهورية فرنسية أكثر مساواة، وأكثر مراعاة لحقوق الأقليات. أما كريمة فإنها تعتبر اليوم يوم نصر واستقلال، بل أفضل يوم في حياتها. هذا في الحين الذي ربط "سطيفاني" تنحي نيكولا ساركوزي بمثابة مناسبة استرجاع الأنفاس وارتخاء، متمنيا أن يكون عهد الرئيس فرانسوا هولاند مصدر تأسيس وبناء فرنسا بقوة وتحدي صامدين.
ومن جهته، تمنى "بيرنار"، ألا يُخيب هولاند تطلعات اليسار الرديكالي والطبقة العاملة، لأن من شأن ذلك أن يرخي بنتائج خطيرة على البلد.
"لاران" العضو بالحزب الاشتراكي، والذي أتى بدوره من أجل الاحتفال، وصف اليوم بالتاريخي، مؤكدا على أنه لم يدعم هولاند في الأدوار التمهيدية، وإن كان مقتنعا بهدوئه وجديته.
إبراهيم، الطالب الباحث، يرى في انتخاب هولاند مستقبلا مبشرا للجاليات بفرنسا باعتباره أحد أفرادها، وإحدى أولويات الرئيس الجديد.
سوزان وزوجها، متقاعدان حضرا الانتخابات الرئاسية التي قادت فرانسوا ميتران إلى كرسي الرئاسة سنة 1981، يعتبران الأمسية مناسبة لعيش انتصار ثاني لليسار، متمنيان لهولاند كل التوفيق في مهامه المعول القيام بها.
وفي زاوية شارع "سانت أنطوان"، تسمر ديبورا وكوينتين في مؤخرة الموكب المتقدم نحو ساحة "الباستيل". فهاذان الشابان لم يصوتا لفائدة هولاند، كما أقرا، نتيجة عدم اقتناعهما ببرنامجه حتى يخلص العاطلين من أزمتهم. وفي المقابل، لم يخف توم افتخاره بالتصويت للمرة الثانية، وهو يشدد على أن فرانسوا هولاند هو رجل المرحلة، والشخص القادر على الدفع بفرنسا إلى الأمام.
الجميع هنا، شباب وشيوخ، نساء ورجال يعتقدون..
يعتقدون بانتصار المساواة والحرية والأخوة،
يعتقدون الانتصار على أزمة البطالة والقوانين المعادية للمهاجرين،
يعتقدون الانتصار للأمل في إنصاف العمال والفقراء وعموم الطبقة المسحوقة،
كانوا يعتقدون هذا التغيير حتى يصير النموذج المحتذى في قلب الجمهورية.
إن سيزيف ليس سوى خرافة يجسدها هولاند بقصر الإيليزيه، وكان هو نفسه يجرؤ على مقارنة نفسه بهذه الشخصية في استعمال لاستعارة دفع الصخرة إلى قمة الجبل كدليل على الالتزام والمثابرة.
وبعد أربع سنوات، يطرح السؤال عماذا فعل؟
بعد أربع سنوات على فوزه، ظل هولاند محكوما بمعركة لا نهاية لها، والنتائج في انتظار تحت ظل انعدام أي أثر للتغيير المنشود وما قدم من وعود.
هذا، ولمحت مارين لوبين إلى المنافسة التي تحتفظ بها لفرانسوا هولاند خلال انتخابات 2017، بل وتحلم بأن تكون في الصدارة أثناء الجولة الأولى من الاستحقاقات الرئاسية.
فيما طلب كوهين بنديت من هولاند إعلان إخفاقه. إنه انتهى على وقع السؤال عما قدمه في نهاية الخمس سنوات، حسب ما أعلنته "أتلانتيكو" في عددها الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 2014. وجزء من ناخبي اليسار الاشتراكي يسألون بدورهم عن هذه الخاتمة المرتقبة لهولاند في 2017.
فقد عمت الشقوق والهفوات كافة الميادين..
الاقتصاد في خدمة الأغنياء ورؤوس الأموال،
تنامي في صور عدم المساواة،
معاداة السامية وكراهية الإسلام في تطور مستمر،
قوانين قسرية ضد الأجانب.
لقد خيب هولاند الآمال في مجال مكافحة الاحتباس الحراري، بل وتم في عهده تقليص المساحات الخضراء.
صدمات على مستوى حرية التعبير وانعدام الضمانات.
إن حكومة مانويل فالس تعطي الانطباع بأنها تميل لمعتقد ديني على حساب آخر. وكتب جون بيرنبوم بأنه لا يوجد في سياسة هذه الحكومة أي أثر للدين، فقد أمحاه اليسار.
إن هولاند وحكومته وبمساعدة تصلب الحزب الاشتراكي فشل في محاربة "السقف الزجاجي". هذا الجدار غير المرئي الذي تغاضى عن فظائع التمييز ضد الأشخاص المنحدرين من أصول أجنبية، وأيضا النساء والمعاقين.
"لقد صار الخطاب السياسي لغة ميتة"، كما قال الليبرالي مانويل فالس في خطاب له حول السياسة العامة في الثامن من أبريل 2014، وهو خطاب مركب بمفاهيم غير مفهومة ولا مسموعة.
إن فرانسوا هولاند بالنسبة للعديد من مواطنينا رجل كذاب، لا يقول الحقيقة وخائن.
ماذا بقي لشعب اليسار؟
يقال بأن أنظمتنا ديمقراطية، إنما نُحكم ديمقراطيا، لأن العمل الحكومي لا يخضع لقواعد شفافة وواضحة في ممارسة المسؤولية، وبالتالي لا تستجيب لتطلعات المواطنين، مما يثير استياءهم.
إن عبارات "الشعب" و"التضامن" و"قول الحقيقة" لم تعد تعني شيئا طالما أنها أفرغت من محتواها بفعل التنصل الحكومي من التزاماته، والشعبوية المتمكنة من اليمين إلى اليمين المتطرف.
إن شعب اليسار في حاجة إلى إثبات وجوده، وتأسيس علاقة إيجابية مع الحياة السياسية. فقد عانى منذ 2002 من الكلام الأجوف، وفقد مصداقيته في الربط بين الالتزام والسياسة.
إن اليسار يطمح إلى مجتمع متكتل حول مشروع مشترك.
إن شعب اليسار يريد عملا سياسيا متجددا، والذي لا تأخذه الطبقة الحاكمة بعين الاعتبار، مما يفتح المجال أمام "ضربة المكنسة الانتخابية".
هذه المكنسة هي في الواقع تهديد خطير لـ"استقلال الفكر" و"التحرر من الفن"، كما تحمل بذور حروب المستقبل.
ماذا بإمكاننا المزيد فعله؟
قبل منح الوعود السياسية يجب أولا تهييء الوسط السياسي القائم على التنافس الجاد والمثمر.
العودة إلى الإقتصاد الحقيقي المنطوي على الفعل المؤدي للتغيير لا مجرد الانحصار في توزيع الكلام هنا وهناك.
وكل هذا يقودنا إلى ممارسة الديمقراطية الحقة، التي تسمح بإنشاء عالم اجتماعي بنظام انتخابي تمثيلي، وإعادة تحديد العلاقة بين الحكام والمحكومين، التي من شأنها تحقيق شروط مجتمع المساواة.
وللقيام بذلك، لا خيار عن المرور عبر الفتوحات الانتخابية، حتى يكون هناك تغيير. والأمر يتعلق هنا بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: تحديد وبوضوح الأهداف والغايات.
المرحلة الثانية: تحديد وبضوح الاستراتيجية السياسية، مع ضبط المسارات التي تحقق هذا المبتغى ابتداءا بالمبادئ التوجيهية للمواقع المستهدفة.
المرحلة الثالثة: تحديد التكتيكات السياسية، جنبا إلى جنب مع الإجراءات القادرة على تنفيذ وتجسيد استراتيجيات التواصل والعلاقات الإعلامية والربط الشبكي، فضلا عن تتبع الأحداث الميدانية.