عبد الرحيم هندوف: برنامج المغرب الأخضر كرس النخبوية ولم يعط اهتماما للماء المحور المركزي لفلاحتنا واقتصادنا

عبد الرحيم هندوف: برنامج المغرب الأخضر كرس النخبوية ولم يعط اهتماما للماء المحور المركزي لفلاحتنا واقتصادنا

مباشرة بعد استقبال الملك محمد السادس لكل من رئيس الحكومة ووزير الفلاحة والصيد البحري. وذلك من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تداعيات العجز في تساقط الأمطار على النشاط الفلاحي، أعلن عزيز أخنوش وزير الفلاحة بأن حكومة بن كيران رصدت اعتمادا بمبلغ 5 ملايير درهم لمخطط مواجهة آثار الظاهرة المناخية ومساعدة الفلاحين. ولمناقشة الموضوع اتصلت "أنفاس بريس" عبد الرحيم هندوف، نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التابعة للإتحاد المغريي للشغل وأجرت معه الحوار التالي:

+ خصصت الحكومة مبلغ 5 ملايير درهم لمواجهة تداعيات الجفاف، والبعض يرى بأن هذا الإجراء محدود الأثر بالنظر إلى أن ظاهرة الجفاف باتت بنيوية في المغرب فما هو رأيك؟

++ موضوع الجفاف هو في الحقيقة قديم وجديد، ويمكن القول بأنه في السنوات الأخيرة نقصت حدة الجفاف بالمقارنة مع  الثمانينات والتسعينات، وهو م اترك الحكومة المغربية تتناسى مؤقتا معضلة الجفاف التي كانت وما تزال  لازمة  تطبع وتميز  الفلاحة في المغرب ،  وبالتالي  ينبغي أن تكون هذه المعضلة  حاضرة كاهتمام رئيسي  بإجراءاتها؛ كتوقع  وكواقع؛  أيضا   ومن جهة ثانية ففضيحتنا للأسف تتمثل في أنه رغم ما صرفته  وتصرفه الدولة من أموال كثيرة  واستثمارات في مجال بناء السدود والري لمليون ونصف من الهكتارات  منذ الستينات إلى يومنا هذا فعندما تكون سنة الجفاف  كل شيء يهوي إلى الأرض كأن لاشيء أنجز !

+ كيف، هل توضح أكثر؟

 ++ بطيعة الحال لأن اقتصادنا ككل ما زال مرتبطا  بسخاء السماء من حيث التساقطات، فمثلا لأن السنة الماضية  كانت ممطرة  فقد نتج عنها  ارتفاع في نسبة النمو بحيث حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط  في  2015وصلت نسبة النمو 2، 4 % لأن نسبة نمو القطاع الفلاحي ارتفعت إلى 14 % ، لكن هذه السنة التي تعرف شحا من حيث التساقطات المطرية  فسيؤثر ذلك  حتما على  نسبة النمو بشكل كبير ولن تتعدى 5، 1 % وهذا ما يؤكد أن مساهمة القطاع الفلاحي في الاقتصاد الوطني وفي النتاج الداخلي الخام لا يتجاوز في أحسن الأحوال وفي السنوات الممطرة 18 %، بينما تنخفض مساهمته في سنوات الجفاف إلى  10 % ،  وإذا قارنا ذلك بالدول المتطورة  نجد أن مساهمة القطاع الفلاحي في الاقتصاد الوطني لا يتعدى 2 % وبالتالي أنه لو كانت عندنا قطاعات متطورة بها اقتصاد قوي فلن تؤثر سنة الجفاف في الإقتصاد الوطني  وأداءه،  فمشكلتنا إذن أن اقتصادنا هش  وعندما يأتي الجفاف  يزيد في تعميف هذه الهشاشة، وحتى أوضح أكثر فالمناطق السقوية مثلا في القطاع الفلاحي كان من المنتظر منها أن تنقص من آثار الجفاف  بشكل قوي لكن  للأسف فحتى هذه المناطق بدورها منتوجيتها ومردوديتها ضعيفة  ولنأخذ كمثال "الحبوب" في المناطق السقوية والتي من المنطقي أن لا يؤثر فيها الجفاف لا تنتج أكثر من 30 أو 35 قنطار في الهكتار في الوقت الذي ينبغي أن يصل مردودها إلى 60 أو 70 قنطار في الهكتار!! أضف إلى ذلك أنه حتى بالنسبة للمنتوجات الأخرى كالشمندر والسكر تبقى المردودية ضعيفة.

+ إلى ماذا يرجع ذلك في نظرك؟

++ نعم يرجع ذلك إلى عوامل وإشكالات متعددة من تأطير الفلاحين وتوزيع الأرض وبحث زراعي وتمويل الفلاحة الخ من المشاكل التي تؤثر سلبا في المردودية، وأيضا ليست هنالك إستراتيجية فلاحية  تأخذ بالجانب البنيوي للجفاف كمعطى مستمر  وبعيد المدى ومثال ذلك  أن المغرب دخل في برنامج تحويل الري السطحي التقليدي الذي يستنزف الماء بشكل كبير  إلى الري الموضعي أو ما يسمى بالتنقيط  وتنفق  الملايير من الدراهم سنويا في هذا المجال ، لكن ما يلاحظ أنه ليست هنالك  مواكبة للبرنامج  من قييل دراسات تتبع فعاليته خاصة وقد تبين أن استجابة الفلاحين للري بالتنقيط ضعيفة، وغالبا ما يهجره الفلاح  ليعود إلى الري التقليدي وذلك لغياب التأطير والبحث والتتبع والتكوين  ويترجم كل هذا الخلل في " الإقبار "الذي تعرض له مركز وطني في البحث والتجارب في مجال الري  وكانت له محطات تجريبية بالمغرب، فتم تقزيمه إلى مصلحة التجارب  وضبط المعايير بالرباط   والتي حولت مكاتبها ومختبراتها بدورها في إطار توسيع مقر  المديرية الجهوية للفلاحة بالرباط ،واليوم لا توجد عندنا مؤسسة وطنية مكلفة بالبحث في مجال الري  والتي نحن بحاجة لها خاصة لتجريب الري التكميلي كصيغة أثبتت  نجاعتها  في تكثيف الري لزراعات متعددة عوض الاقتصار على واحدة أو اثنين منها فقط.

+ ولكن ألم يأخذ البرنامج المغرب الأخضر بعين الاعتبار كل هذه الإشكالات التي عرضتها  من  دراسة معضلة الجفاف  وكذلك البحث في مجال الري ؟

++ للأسف أقول لا ،ففي إطار هذا برنامج المغرب الأخضر  تم  إقبار كما قلت  مختبرات تلك المصلحة المكلفة بالتجارب في مجال الري  وبإقبارها توقف  البحث والتجارب في مجال الري بصفة نهائية  وهذه فضيحة كبيرة  حيث تصرف الملايير في مجال الري و لا تواكبه مرافق مختصة  بالبحث والدراسة ،  وما ينبغي تسجيله أننا في المغرب كان الجفاف أو لم يكن  نستورد  حاجياتنا الفلاحية كالسكر  الذي لا ننتج منه سوى 25 %   رغم الاستثمارات الكبيرة ، كأن برنامج الري لم يتم تخطيطه إلا من أجل التصدير للحوامض والطماطم  في حين أن المساحة المخصصة  للتصدير لا تتجاوز200 ألف هكتار فقط   ومليون و300 ألف هكتار من أصل 1مليون ونصف من الأراضي المسفية  كان يمكن  تخصيصها للزراعات الإستراتيجية مثل الحبوب والسكر  والزيت  ولكن ذلك لا يتم للأسف  كما أن برنامج المغرب الأخضر لا يتحدث عن الأمن الغذائي  وعن السيادة  الغذائية ،علما بأن استيراد الحاجيات من هذه المواد يكلف غاليا الدولة ومن العملة الصعبة ولعل من المفارقات في هذا الباب أن نجد أن 15 % فقط من المساحة المسقية  التي تستقطب جميع أنواع  الاستثمار الفلاحية ،بينما يطال التهميش  85 % من الأراضي الصالحة للزراعة  مع التركيز على بعض المناطق التي تحيل إلى السياسة الإستعمارية التي كانت تميز بين المغرب النافع والمغرب غير النافع  ..وبصفة عامة ألخص ذلك بأن السياسة الفلاحية المتبعة إلى حد الآن والأموال التي صرفتها الدولة في المجال الفلاحي  تهدف بالدرجة الأولى   خدمة مصالح لفئة  كبار   التي تمثل 30 % من الأراضي المسقية   كمنطقة ماسة مثلا بها  التي بها استثمارات  لشركات كبرى ورساميل لشركات وطنية وأجنبية   تتمتع بامتيازات عدة فهي معفية من الضرائب  وتستفيد من الدعم من طرف الدولة في التجهيزات والنقل  والبذور المختارة والمبيدات والأسمدة  ولاتساهم ولو بسنتيم واحد في إنعاش خزينة الدولة  وكل شيء يستورد من الخارج  كما أن  كل شيء يصدر إلى الخارج  والأموال  تبقى في الخارج  وهذا الواقع كرسه البرنامج الأخضر الذي يهتم بالتصدير و يخدم النخبوية  ولم يعط أيضا أهمية للماء والتي هي مسألة مركزية في فلاحتنا وفي اقتصادنا .