أقصبي: برنامج المخطط الأخضر يخدم الفلاحين الكبار فقط وملايير محاربة الجفاف ستسقط عليهم "بحال الشتا" لهذا السبب

أقصبي: برنامج المخطط الأخضر يخدم الفلاحين الكبار فقط وملايير محاربة الجفاف ستسقط عليهم "بحال الشتا" لهذا السبب

مباشرة بعد استقبال الملك محمد السادس لكل من رئيس الحكومة ووزير الفلاحة والصيد البحري. وذلك من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة تداعيات العجز في تساقط الأمطار على النشاط الفلاحي، أعلن عزيز أخنوش وزير الفلاحة بأن حكومة بن كيران رصدت اعتمادا بمبلغ 5 ملايير درهم لمخطط مواجهة آثار الظاهرة المناخية ومساعدة الفلاحين. ولمناقشة الموضوع اتصلت "أنفاس بريس" بالدكتور نجيب أقصبي، المحلل الإقتصادي والأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة  بالرباط،  وأجرت معه الحوار التالي:

ألا تعتقد بأن معضلة الجفاف أصبحت بنوية في المغرب، لكن تواجهها الحكومة بتدابير إجرائية ظرفية؟

نعم هذه الحقيقة أصبحت من المسلمات للأسف. فمنذ ثلاثين أو أربعين سنة وفترات الجفاف تكاد تأتي بصفة منتظمة، لكن سيناريوهات الحكومات المتعاقبة تبقى هي هي، حيث تظل نائمة  غافلة وتبقى هكذا، ولا تنهض إلا عندما تلوح للجميع معالم الجفاف في الأفق بعد تأخر الأمطار، فتقوم لتضع برنامجا لمحاربة آثار هذا الجفاف. وهذا ماشاهدناه سواء في 2012 أو  2007 أو 1995 أو حتى في الثمانينات، وفق نفس البرنامج النمطي الذي يتمحور حول اتخاذ تدابير لترشيد الماء للحفاظ على الأشجار والمغروسات، وتوفير العلف لحماية الماشية، ومعالجة مشاكل ديون الفلاحين مع القرض الفلاحي. وهكذا، والأخطر من ذلك أنه عندما يكون الجفاف يكثر الحديث بأن الحكومة أخذت بعين الإعتبار تداعياته، وتنجز دراسات وتعقد اجتماعات ولجان  من أجل التفكير واقتراح الحلول إلخ. ولكن مجرد أن تهبط التساقطات الأولى من الأمطار يطوى الملف وكأن شيئا لم يكن  ويتم نسيان الجانب الهيكلي للمسألة، وترجع الحكومة إلى سباتها في انتظار الجفاف المقبل. علما أن الطابع المزمن للجفاف له ما يبرره من حيث أن المغرب في منطقة جعلت منها تحولات المناخ معرضة لتهديد مستمر للجفاف. وثانيا من حيث وضعية الأراضي، فرغم كل مايقال عن سياسة السدود نجد بعد 50 سنة أنه من أصل 9 مليون و200 ألف هكتار القابلة للزراعة فقط 1مليون ونصف من الهكتارات هي المسقية وتمثل 15 % من حجم الأراضي بما فيها الأراضي المسقية من السدود الكبرى، خاصة وحجم هذه الأراضي لا يتجاوز 700 ألف هكتار. ومعنى هذا في نهاية الأمر أن 85 %  من الأراضي في المغرب هي جافة ومرتبطة بالغيث والأمطار. ورغم كل ذلك لم يسبق إدخال معضلة الجفاف ببعدها البنيوي في اختيارات السياسة الفلاحية والتي ينبغي إذا وجدت فعلا أن تتوجه نحو الـ85 % من الأراضي الجافة والإبتعاد عن سياسة النعامة.

وفي نظرك، ألم يأخذ برنامج المغرب الأخضر بعين الإعتبار هذه المعضلة، ولم يطرحها كسؤال يقتضي المعالجة؟

لا أبدا، وهو ما شرحته بابتعاد اختيارات السياسة الفلاحية عن الإهتمام بالجفاف كظاهرة بنيوية. وبالتالي فبرنامج المغرب الأخضر لا يخرج عن السياق القديم وكرس انشغاله بالركيزة الأولى وهي السياسة الفلاحية العصرية المنافسة ذات القيمة العالية، والركيزة الثانية الخاصة بالعناية بالفلاحة الصغيرة  والتي عندما تقارن الأرقام والإمكانيات التي منحت للركيزة الأولى من البرنامج على حساب الركيزة الثانية ستعرف أن هذه الأخيرة ليست سوى قرص لذر الرماد في العيون، وتمرير مشاريع الركيزة الأولى المركزة أساسا على كبار الفلاحين.

لكن وزارة الفلاحة قد أعلنت عن تخصيص غلاف مالي بحوالي 5 ملايير درهم لتأمين المحصول الفلاحي. فكيف سيوزع بين الركيزتين وخاصة الثانية التي تهم صغار الفلاحين الفئة الأكثر تضررا؟

ينبغي أن أشير أولا بأن 5 ملايير درهم سيخصص منها قدر مهم لتغطية البرنامج العادي الذي تقوم به الحكومة كما قلت في إطار الإجراءات والتدابير المتخذة لما يسمى محاربة آثار الجفاف وفق السيناريو المعهود من حماية الأشجار والماشية ومشكل القرض الفلاحي. كما أنه وفي واقع الحال عندما تكون ندرة الماء تتحرك آلية الزبونية والضغوط والإتصالات من طرف الفلاحين الكبار  لاستفادتهم بشكل أولوي. وهذا شيء معروف ونفس الشيء بالنسبة لعلف الماشية إلخ. إذن فالمشكل اليوم ليس في تعبئة الملايير، بل بالجواب على سؤال كيف سيتم توزيعها ومن سيستفيد منها؟ فالتابث إلى الآن أن المستفيد من السياسة الفلاحية ومن المغرب الأ خضر ومن صندوق التنمية الفلاحية هم فئة كبار الفلاحين الذين تنزل عليهم الملايير "بحال الشتا". لهذا أكرر مرة أخرى أن المهم في المسألة هو أن يوضحوا كيف سيقومون بتدبير هذا المبلغ المعبأ، وكيف ولمن سيتم توزيعه؟ أما القضية الأخرى المتعلقة بالتأمين، فقد سبق لي أن ذكرت لنفس منبركم قبل أيام بخصوص اتفاقية التأمين الفلاحي المثيرة للجدل بأن التأمين لا يكون إلا عند احتمال وقوع المخاطر، أما إذا وقعت هذه المخاطر بالفعل فلم تعد جدوى للتأمين وهو شيء متناقض حتى مع منطق التأمين، وأكثر من ذلك أن 90 % من مبلغ اتفاقية التأمين المذكورة هي من مساهمة الدولة، وهو ما يستنتج معه أن شركة "سهام" للتأمين كانت ستستفيد من (كعكة) والتي حرص موقعو الإتفاقية على أن لا تستفيد منه "لا مامدا"وحدها، فهي عملية ببساطة تتعلق بتحويل المال العام للخواص والسلام!؟

إذا كان البنيوي لا يمكن معالجته بإجرءات ظرفية تعتبر كمسكنات فقط. فما هو الحل في رأيك؟

لحل الرئيسي يكمن في إعادة النظر بصفة جذرية في الاختيارات الأساسية للسياسة الفلاحية المتبعة. وذلك  حتى تتوجه إلى 85 % من المغاربة في المجال القروي للبلاد. فالمشكل يظل قائما إذا بقي تركيز الإهتمام منصبا على 15 % من المواطنين فقط.

  .