كيف يمكن أن تصنع من تأويل النصوص قنابل بشرية موقوتة..؟

كيف يمكن أن تصنع من تأويل النصوص قنابل بشرية موقوتة..؟

طرحت خلال المؤتمر المنعقد بمراكش حول حقوق الأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية مسألة تأويل النصوص والتحذير من القيام بها لغير العارف، وحصرها في العلماء على مستويات الفهم والحكم والسياق، وذلك لتجنب تحريف النصوص الدينية من طرف الجهلة الذين يستقطبون انتحاريين من الشباب المتحمس للدين ويذهبون ضحايا شروحات دينية خاطئة لبعض المفاهيم.

ووردت إشارة خطورة تأويل النصوص في المحطات الثلاث للمؤتمر: الرسالة الملكية، والورقة التأصيلية لرئيس المنتدى الشيخ عبد الله بن بية، والورقة التأطيرية لأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. وهكذا طرحت نماذج لبعض هذه المفاهيم الملتبسة التي انحرف بها الفكر الظلامي عن سياقاتها ومقاصدها:

الجهاد: وعرفه المنتدى بأن له سياق عام وسياق خاص، أما العام فقد ارتبط ببيئة تنزيله حين كان ضروريا للدفاع عن التدين وإيجاد سلم في الجزيرة التي كانت عبارة عن قبائل متناحرة تعتمد الغزو والقتل. وكان لا بد أن يكون قدر من القوة لتستقر الأوضاع في الجزيرة. وأما السياق الخاص فهو أسباب النزول، وسنجد أن البعض اعتبر أن آيات وأحاديث الجهاد نسخت آيات الصبر لكن كل منها مرتبط بسياق خاص جدا. والقول بأن آيات الجهاد أو آيات السيف ناسخة لآيات الصبر والبر هي من قبيل التعامل بالتي هي أحسن مع المخالف في الدين حكم ليس عليه دليل، ولا يلجأ إلى النسخ إلا عندما لا يكون الجمع مساغا. إن  العلاقة بين هذه الآيات ليست علاقة مطلق بمطلق بل علاقة إنساء وإرجاء، حيث يكون حكم للآية الأولى مؤجلا حتى يرد ما يناسبه من الظروف والخصوصية ويتم تفعيل الآية المنساة على ضوء فهم المجتهد لكليات الشريعة وميزان المصالح والمفاسد، وقوله تعالى "لا إكراه في الدين" هو الذي ينسخ كل أحكام القتال الديني.

الذمة: هي في الأصل "في العهد والأمان والكفالة والحق والحرمة"، وهي كلها معاني نبيلة جليلة جزيلة اختارها الإسلام لوصف العلاقة بين المختلف ديانة مع المسلمين، أي عقد سياسي لا تبرمه إلا سلطة سياسية يشير إلى حرمة حامل هذا العقد وإلى العهد الذي يربط بين المتعاقدين. ومع ذلك وصف بعض الباحثين مثل هذا العقد بالدونية وأوجدوا له شحنة نفسية تاريخية أبعدته من معناه الحقيقي، وبالتالي فكون غير المسلم يعتبر من أهل الذمة فهو تشريف لأنه تحت حماية الله وحماية رسول الله وحماية أولي أمر المسلمين ويرعون شؤونه.

الجزية: شرعها الإسلام ليعطيها مضمونا تعاقديا إلى جانب الزكاة بالنسبة للمسلمين وأصل الجزية من الجزاء. وجعلت عوضا عن التجنيد الذي كان يخضع له مواطنو الدولة للحفاظ على حوزتها. فلما كان هؤلاء المواطنون غير مسلمين كان عليهم أن يدفعوا معونة للدفاع عن الوطن. والجزية هي في الحقيقة من المداخيل التي تستفيد منها الأمة ككل من غير تمييز بين المسلمين وغير المسلمين. وعقد الجزية كعقد الذمة لا يمكن أن يفرضها إلا ولي الأمر، وهي عقد يتم بالتراضي.