رشيد جرموني: حزب الفيسبوك أصبح طرفا مدنيا قويا جدا في المغرب

رشيد جرموني: حزب الفيسبوك أصبح طرفا مدنيا قويا جدا في المغرب

يرى رشيد جرموني، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بمكناس، أن التنامي الملفت للشبكات الاجتماعية بالمغرب، وتعاظم تأثيرها، يعود إلى اتساع هامش الحرية في المغرب بعد دستور 2011. مشيرا إلى أن فئات الشباب تسعى إلى بلورة طموحها في إقرار سياسات عمومية متفاعلة مع الواقع عبر هذه الشبكات الاجتماعية. مؤكدا أن حزب "الفيسبوك" في المغرب -رغم كونه غير منظم وغير مهيكل- أصبح طرفا مدنيا قويا جدا يعبر عن صوت المجتمع، وطرفا جديدا في النسق السياسي ينتج قيما وأفكارا جديدة.

+ كيف تنظر إلى التنامي الملفت للشبكات الاجتماعية في المغرب، وتعاظم تأثيراتها على الفاعل السياسي، والذي لاحظناه في الآونة الأخيرة؟

- أولا، ينبغي ألا ننسى أننا دخلنا بشكل أو بآخر في الموجة الثالثة من التطور التكنلوجي التي كان قد تحدث عنها كبار الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية.. فاليوم في العالم بصفة عامة، وفي المغرب تحديدا، أصبح الذي يؤثر في الرأي العام بشكل أو بآخر هم أصحاب الشبكات الاجتماعية، لأن هذه الوسائل الجديدة أصبحت سلطة فوق السلط، هي التي تصنع الرأي العام، وهي التي تؤثر في قرارات مجموعة من الدول.. وقد عاينا حجم تأثير الشبكات الاجتماعية في اندلاع الربيع العربي. وفيما يخص المغرب فتنامي الشبكات الاجتماعية مرتبط بالكبت السياسي الكبير عند الشباب، علما أن الفئة التي تحرك هذه الشبكات هي فئة شابة لا تجد ذاتها في الأحزاب السياسية التقليدية ولا حتى في النقابات، ولا حتى في الجمعيات، وهي تعاني من مجموعة من الإحباطات التي يتم تفريغها عن طريقة وسيلة سهلة ومجانية وبسيطة ومطواعة وتحرك الجماهير، وهي الإنترنيت.

النقطة الثانية، وترتبط بأجواء الحرية التي نعيشها، فهوامش الحرية في المغرب متسعة بشكل كبير جدا، وبالتالي هناك تعبير للناس عن رأيهم، هنالك نوع من إسقاط ما يقع في مجموعة من الدول المتقدمة ديمقراطيا وعقد مقارنات بينها وبين المغرب. فنحن نعيش تبعات ما بعد الدستور، والذي يعطي الحق للمواطن في المشاركة في اتخاذ القرار، وبالتالي هناك طموح حاد لهذه الفئة تسعى إلى بلورتها وإلى تجديدها عبر هذه الشبكات الاجتماعية، وهي تريد أن ترى حكومات وسياسات عمومية متفاعلة مع الواقع الذي نعيش فيه، ومع المجتمع الذي نعيش فيه، أي البحث عن نوع من الدمقرطة ونوع من الاستحقاق والعدالة الاجتماعية. وأعتقد أن حزب "الفيسبوك" في المغرب -رغم كونه غير منظم وغير مهيكل- أصبح طرفا مدنيا قويا جدا يعبر عن صوت المجتمع ، وطرفا جديدا في هذا النسق السياسي ينتج قيما وأفكارا جديدة، وهو التأثير الذي يمكن أن نطلق عليه smart power أو القوة الذكية.. والموجة الحالية الني نعيشها في الشبكات الاجتماعية مرتبطة أيضا بارتفاع منسوب الوعي عند الفئات الشابة، هناك قدرة على توجيه النقد وجرأة في طرح المبادرة.

+ لكن الشبكات الاجتماعية في البلدان المتقدمة تبدو أكثر تطورا من حيث المضمون مقارنة مع مثيلاتها في المغرب التي تطغى عليها السطحية، أليس كذلك؟

- لسنا منتجين لهذه الوسائل وهذه التقنيات، نحن نستهلك هذه التقنيات، وعملية نقل واستهلاك هذه التقنيات هي دائما في بداياتها الأولى، حيث نسجل نوعا من الطفولة في التعامل معها، وحالنا كحال الطفل الصغير الذي يلهو بهذه الأشياء.. وكما ذكرت في لقاءات سابقة مع بعض الصحفيين، فالأشياء المعقولة وغير المعقولة تروج في الشبكات الاجتماعية، بمعنى آخر هناك نوع من البحث عن الذات انطلاقا من العالم الافتراضي، وهو الأمر الذي يجد تفسيره أساسا بالكبت الحقيقي الذي نعاني منه على جميع المستويات.. هناك احتقان اجتماعي مع كل الأسف، هناك توترات حقيقية في المجتمع العربي، والمغربي على وجه الخصوص.. فهناك من يحلم بزواج مثالي عبر "الفيسبوك" فيسقط أوراقه وصوره عبر الإنترنيت، وهناك من يعيش كبتا جنسيا فيفرغه عبر الإنترنيت، وهناك من يعيش كبتا سياسيا.. وهناك من يعيش إحباطا في العمل.. بمعنى آخر كل المكبوتات التي نعيشها والتوترات التي نعيشها نقذف بها إلى العالم الافتراضي.. لكن لا يمكن القول إن كل ما يصدر في الشبكات الاجتماعية سطحي ولا قيمة له، فهناك أشياء مهمة جدا، وهناك جرأة مهمة جدا في طرح الإشكاليات التي نعيشها.

+ كيف تقرأ لجوء الأحزاب السياسية للشبكات الاجتماعية، وأبرزهم حزب العدالة والتنمية الذي أضحى يتوفر حاليا على "كتائب إلكترونية"؟

- لجوء الأحزاب السياسية إلى الشبكات الاجتماعية أمر طبيعي، فهي تدرك حجم قوة هذه الشبكات، وتدرك أيضا كيفية التأثير على الرأي العام عبر الشبكات الاجتماعية. وفيما يخص حزب العدالة والتنمية، الذي كنت قريبا منه وأعرف طريقة اشتغاله، فهو يوظف الشبكات الاجتماعية من أجل التسويق لمشروع الحزب والدفاع عن الحكومة وقرارات الحكومة رغم كونها تكون جائرة في بعض الأحيان، مثل ما نلاحظ اليوم فيما يخص قرار الحكومة بفصل التكوين عن التوظيف المتعلق بالأساتذة المتدربين.. فرغم ذلك يتم مع الأسف أدلجة هذه الشبكات الاجتماعية ومحاولة تسويق صورة معينة عن قرار الحكومة، وبكون الأمر يدخل في إطار تدبير الموارد البشرية.. وهناك توجيه عام للشباب في هذا الإطار من أجل الانخراط في الشبكات الاجتماعية وعدم ترك المجال فارغا.

+ ما هي سبل الانتقال من "المرحلة الطفولية" التي تعيشها الشبكات الاجتماعية في المغرب إلى مرحلة أكثر تقدما يمكن من خلالها الحديث عن إعلام جديد؟

- أعتقد أن هذا الأمر مرتبط بشروط موضوعية، أهمها ضرورة التوفر على رؤية فكرية يجب أن تتلخص في ماذا نريد من الشبكات الاجتماعية.. وأنا أدعو إلى حركات اجتماعية حقيقية، لأننا نعاني اليوم مع الأسف من غياب معارضة حقيقية. فالأحزاب السياسية لا تمارس معارضة حقيقية، وحتى النقابات مع كل الأسف.. هناك بؤس في العمل النقابي، بؤس في العمل السياسي... لذا فالسؤال المطروح هو: كيف يمكن أن تشكل هذه الزوبعات أو الموجات التي نشاهدها في الشبكات الاجتماعية حركات اجتماعية واعية انطلاقا من نخب ومفكرين ومناضلين حقيقيين يمثلون ضمير الأمة لمواجهة هذه الهجمة التي يتعرض لها المجتمع، وعلى الخصوص الفئات المتوسطة. فاليوم، وفي هذا السياق، يمكن أن ننتقل من ما هو عشوائي وعفوي إلى ما هو مفكر فيه ومنظم للدفاع عن المطالب بشكل صريح.. وهذا كله لا يمكن أن يتم بمشاركة الأحزاب السياسية -مع كل الأسف- لأنها ستعيد إنتاج ما هو حاضر.. فنحن بحاجة إلى صوت متحرر نسبيا ويمتلك الاستقلالية في قراراته ويضم نخب واعية مفكرة وخبراء في هذا المجال لهم القدرة على التعبئة والحشد .