محمد باسك منار: من أجل حياة حزبية سليمة لابد من الضغط لفك أقفال النظام السياسي المنغلق

محمد باسك منار: من أجل حياة حزبية سليمة لابد من الضغط لفك أقفال النظام السياسي المنغلق

يعرف المغرب حاليا احتقانا اجتماعيا حادا، وهو الاحتقان الذي لم تتمكن الأحزاب التقليدية الموجودة في امتصاصه سواء كانت أحزاب الأغلبية أو المعارضة.ونظرا للتآكل الذي تعرفه الوسائط السياسية العادية بدأ المراقبون يعدون العدة للانتخابات البرلمانية المقبلة لمعرفة من سيستقر عليه رأي أغلبية الناخبين، وهل سيعرف المغرب بدوره مثل إسبانيا واليونان وفرنسا بروز قوى سياسية عدمية أو ميكروسكوبية محل الأحزاب التقليدية.في سياق هذا الانشغال اتصلت "أنفاس بريس" بمجموعة من الفعاليات لمعرفة وجهة نظرها. في هذا الإطار محمد باسك منار،أستاذ القانون العام،بكلية الحقوق بمراكش:

أزمة الأحزاب السياسية في المغرب لا يمكن فصلها عن أزمة النظام السياسي بشكل عام ، ويعني ذلك أنه عندما تكون الأحزاب السياسية  في نظام سياسي منفتح وغير منغلق  تكون لها الجرأة والشجاعة  والقدرة على امتلاك المبادرة ، لكن إذا وجدت في نظام سياسي منغلق  يكاد يفرض اختيارا سياسيا وحيدا  فكل  ما يوجد من مؤسسات سواء أحزاب أو برلمان أو مؤسسات دستورية أخرى، تجد نفسها مرغمة على عدم  الخروج عن هذا  الاختيار الذي تبناه النظام السياسي، وفي هذه الحالة   فلا يمكن أن تكون معها النتيجة سوى  وجود أحزاب سياسية ضعيفة هشة و مفتقدة للمصداقية السياسية وروح المبادرة ، وإذا رجعنا إلى  الحزب السياسي من حيث تعريفه، ونشأته ومفهومه  وتساءلنا عن ما الذي ينبغي أن يتميز به ؟سنجد أن  الحزب السياسي مرتبط  أصلا بالتنافس  على  الحكم  وذلك  من أجل تجسيد تصورات  سياسية معينة  و تنفيذ برنامج سياسي محدد.  وانطلاقا من هذا  نلاحظ  أن الأحزاب السياسية في المغرب هي في حقيقة الأمر لا تتنافس على الحكم  وإنما في أحسن الأحوال  تتنافس على مساعدة من يحكم، وضمان مكان لها   بجانب من يحكم ، وهي مسألة بنيوية في المغرب،  وبالتالي فحتى تكون هناك أحزاب فاعلة ،  يجب  جعل  هذه الأحزاب في وضعية التنافس على الحكم كي تتمكن من تنفيذ برامجها، ولهذا  فنحن لا نبالغ إذا أشرنا بكل وضوح أنه بالرغم من أن هناك فعلا برامج أحزاب سياسية، وبرنامج حكومة وغيرها من البرامج فإنه  في حقيقة الأمر يبقى تأثير كل هذه البرامج  هامشيا،لماذا؟ لأن  الإستراتيجيات  والبرامج الحقيقية  للحكم  وتوجهات السياسة العامة  تصنع في مكان آخر بعيدا عن الأحزاب السياسية  وعن الحكومة والبرلمان، فالأوراش الكبرى والبرامج الإستراتيجية  تدخل ضمن مخططات المؤسسة الملكية، وهذا الواقع لا يساعد في أن تكون للأحزاب مصداقية، بل بالعكس  يفقدها ثقة المواطن العادي الذي  يرى في الحزب السياسي مجرد عبء  وليس له أي تأثير على حياته الإقتصادية والإجتماعية.

وهذا الواقع المؤسف أيضا يطرح سؤالا  أيضا  حول معنى   أن تكون ديمقراطية بدون أحزاب فاعلة؟ وأعتقد أن هذا يرجع إلى  مشكل موضوعي يتعلق  بالبيئة والطبيعة المنغلقة  للنظام الذي تتحرك فيه الأحزاب السياسية وهي بيئة لا تساعد، كما قلت سابقا على وجود أحزاب قوية و ذات مصداقية، ومن ناحية أخرى هنالك مشكل ذاتي آخر تعيشه بعض الأحزاب نفسها، فعندما نذكر تجارب أحزاب بوديموس باسبانيا وسيريزا باليونان فما يميزها هو أنها قامت بمراجعة مهمة جدا في خطابها وفي تواصلها مع الناس وتجاوزت الخطاب القديم والتحليق  الإيديولوجي  المتعالي، بل نزلت بخطاب واضح وملموس ومفهوم لدى المواطن العادي.

وهذا التغير للأسف لا نلمسه في المغرب وحتى إن كانت بعض الأحزاب تتوفرعلى تصورات و مصداقية  مهمة  لكن  ما زالت تفتقد إلى الأهم  ألا و هو التجديد،  تجديد على مستوى البرامج  وعلى مستوى الخطاب السياسي،  وعلى مستوى التواصل مع الناس.

 لهذا، فحتى تكون عندنا حياة حزبية سليمة ،  لابد من وجود ضغط سياسيعام لفك أقفال النظام السياسي يشارك فيه  الجميع من قوى سياسية  وأحزاب  ومجتمع مدني  من أجل المطالبة بنظام سياسي مفتوح يسمح بتنافسية الأحزاب ، وما وقع سنة 2011 مع حركة 20 فبراير كان خطوة  مهمة في هذا الاتجاه  لكن تم سحب البساط من تحت أقدام  الحركة   بدخول العدالة والتنمية ،،  وكان من الممكن أن ينتج عن ذلك الضغط المزيد من انفتاح النظام السياسي  الذي يعتبر شرط وجود أحزاب سياسية قوية ذات مبادرة وليست ذيلية، و بالتالي فالمأزق السياسي الذي تعرفه المكونات التقليدية الحزبية والنقابية  والذي يجعلها تظهر اليوم  مكبلة عاجزة هو الذي  ترك المبادرة يقوم بها المناضلون والمحتجون  من خارج هذه المكونات والمؤسسات،كما  برز تأثير الفيسبوك في الضغط على أن فعاليته مع ذلك لا تكون ملموسة إلا عندما يكون مصاحبا بالاحتجاج في الميدان والنزول إلى الشارع  كما شاهدنا في وقفات  الأطباء  وأمانديس والأساتذة المتدربين ، وهذا في الأخير ما يؤكد أنه لوكانت لنا حالة سياسية  طبيعية  فمن المفروض أن تكون المؤسسات سواء الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات هي الوسيطة التي تعبر عن مطالب الناس  وتلعب دور التأطير والوساطة.