هي أحداث كثيرة ومتسارعة تلك التي تؤكد وبالملموس أن هناك مخططا مدروسا بعيد المدى لفرض المشروع الإسلامي الذي لطالما حلم به منظرو ومقعدو الحركة الإسلامية بالمغرب، ولن نخوض في حيثيات السيرورة التاريخية التي تؤكد هذا المعطى بل سنختزلها في موضوع الساعة "قضية الأساتذة المتدربين" وما واكبها من أحداث ومؤشرات كلها تصب في ما سماه البروفيسور جين شارب بحرب اللاعنف أو الخيار الثالث.
فمن تتبع مسار الإحتجاج على المرسومين "المشؤومين" سيجد لا محالة أن الأمر كان دائما ممارسة لحق ديموقراطي يكفله الدستور في إطار القانون، وقد نظم الأساتذة المتدربون عشرات الوقفات في مجموعة من مراكز التكوين دونما أدنى مشكل أو احتكاك يذكر، لكن الغريب أنه وبعدما فطنت بعض الجهات (العدل والإحسان) بالأهمية والعمق الاجتماعي لهذه القضية طبقت إحدى أهم الوسائل في حرب اللاعنف وهي الإختراق، والاختراق هنا نقصد به الاختراق العام والخاص الذي تبنته الحركة الإسلامية عامة ضد الدولة بأن اتخذت لها 3 أشكال مختلفة:
- الشكل المحظور: سمت نفسها جماعة العدل والإحسان لهدفين أولهما بأن أعطت لنفسها طابع الندية ضد الدولة وحق المواجهة وثانيهما بهدف استقطاب الطاقات الشعبية اليائسة والشرائح المتذمرة من النظام.
- الشكل الشبه المحظور(الدعوي): سمت نفسها عدة مسميات أبرزها حركة التوحيد والإصلاح تتأرجح بين ماهو رسمي وماهو غير رسمي دون إحداث مواجهة، بالتركيز على التكوين الدعوي وقاعدة موارد بشرية للشكل الرسمي (الحزب السياسي) تستقطب منها التوجهات الرادكالية النائمة.
- الشكل الرسمي: سمت نفسها حزب العدالة والتنمية وهي أخطرها لأنها تخترق عمق الدولة بشكل رسمي وتستقطب كل الطاقات الشعبية التي تؤمن بالتغيير من الداخل.
أما الإختراق الخاص والذي سنركز فيه على نموذج اختراق العدل والإحسان لقضية الأساتذة المتدربين، حيث وبعد وعيها بالعمق الاجتماعي لهذه القضية ووقعها على الرأي العام أخذت لنفسها مدة 3 أشهر حاولت فيها تحليل نقط قوة وضعف هذه الحركة الاحتجاجية والمطلبية وحاولت رصد عناصرها هي داخل الأساتذة المتدربين وتطعيمها بعناصر دعم مدربة على الاحتجاج والاستفزاز والاشتباك مع القوات العمومية مع مواكبة هذه الخطوات بحملة إعلامية لخلق ظروف تأليب الرأي العام وجعله يؤمن بعدالة القضية.
والذي حضر أو شاهد فيديوهات تدخل القوات العمومية سيلاحظ بلاشك أن هناك نوعين من المحتجين، نوع يطالب زملائه بضبط النفس واحترام القانون والهدف النبيل للقضية في إسماع الصوت، وبين نوع يرشق بالحجارة ويستفز العناصر الأمنية ويحاول رفع حدة الاحتكاك والمواجهة والذي لامحالة سيفضي إلى إصابات في الطرفين، لنجد عينة أخرى مكلفة بالتصوير واجتزاء المقاطع التي تجرم العناصر الأمنية المتدخلة والتي يمكن أن تدغدغ العواطف بصور مفبركة بنية مبيتة وتسويق أحداث سينيمائية تدليسية ودرامية كالإعلان عن وفاة عرضية لأستاذ بمدينة طاطا تزامنت ويوم فض الوقفة لا علاقة له بها.
علاوة على ذلك تجدر الإشارة إلى معطى عدم طلب ترخيص لتنظيم مسيرة وليس وقفة احتجاجية، حيث أن هذه الحركات تطبق ازدواجية الخطاب والمعايير في علاقتها بدولة الحق والقانون(بياناتها الرسمية)، حيث تناقض نفسها بعدم تطبيق المسطرة القانونية لوقفة أو مسيرة احتجاجية وتتهم بوجه آخر الدولة بخرقها للقانون والدستور في فض تجمع غير مرخص له.
كل هذا يلخص القوة الناعمة لجماعة العدل والإحسان ونياتها المبيتة في الوقوف سرا وجهرا كقوة ضاغطة لإيقاف البناء الديموقراطي واستغلال الآليات التي توفرها الديموقراطية في خلق الأزمات وزعزعة الاستقرار والمؤسسات الشرعية التي لم يكن بدا لها إلا الرد الطبيعي في اجتثاث هذا الفكر الرجعي.