الحادث الإرهابي الذي نفذته دولة "سيدنا" أبوبكر البغدادي بليبيا يوم أمس، وأدى إلى مقتل أزيد من 50 شخص بزليتن وستة أشخاص براس لانوف، لم يكن بالحادث المعزول أو بالحوادث المماثلة المؤلمة التي تعرفها ليبيا منذ الإطاحة بنظام القذافي، بل اعتبره المراقبون بمثابة "تذكرة" ولوج "سيدنا" أبوبكر البغدادي لتوطين دولته الإسلامية بالغرب الاسلامي.
المراقبون استندوا في ذلك إلى الإنهاك الشديد الذي تعرضت له "داعش" بالمشرق الإسلامي، خاصة بسوريا بفعل قوة ودقة الضربات التي يوجهها سلاح الجو الروسي بسوريا للتنظيمات الإرهابية هناك. ونتيجة لتضييق الخناق عليها بدأت "داعش" تبحث عن موطئ قدم بالعالم العربي لغرس وزرع أوتادها. من هنا الاختيار الذي وقع على ليبيا من طرف "سيدنا" أبوبكر البغدادي لكونها متحللة ولا توجد بها دولة قوية ولكثرة الاقتتال الدائر بين القبائل المتناحرة بشكل يسهل اقتحام التراب الليبي والسيطرة عليه، خاصة وأن "داعش" ليست غريبة عن البيئة الليبية بحكم وجود فرع داعشي بها منذ مدة.
المراقبون لم يستبعدوا أن تتحول منطقة المغرب العربي إلى بؤرة جديدة لإنهاك دولها بعد تمزيق أوصال دول الشرق العربي. هذا التخوف مسنود بحالة الهشاشة التي تعرفها تونس وعجزها عن مواجهة التغلغل اليومي للقوى الجهادية القادمة من ليبيا، فضلا عن ذلك فالجزائر منهكة أصلا وتحكمها جثة ومنشغلة بترتيبات الصراع بين أجنحة الحكم على من سيتولى القيادة بعد وفاة بوتفليقة، أما دول الساحل الإفريقي فوضعها أقرب إلى حالة "اللادولة" منه إلى شيء آخر.
من هنا المخاطر التي تنتصب أمام المغرب، الذي يبقى مهددا بزحف دولة "سيدنا" أبوبكر البغدادي. لكن الخطير ليس هو الرغبة الجامحة لداعش في أن تتمطط وتنهك بلدان المغرب العربي، وخاصة المغرب، بل الخطر الأكبر هو لامبالاة المسؤولين الحزبيين والبرلمانيين والحكوميين بالمغرب وعدم قيامهم بالتعبئة لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية. بل الأفظع أن قادة الأحزاب بالمغرب يقومون بدور إنهاك المغرب "بالوكالة" عبر إلهاء المغاربة بقضايا تافهة وانشغالهم بضمان المكاسب لزبنائهم السياسيين، بدل أن تسلط كشافات الضوء على التهديدات الإرهابية الخارجية.
ولله في خلقه شؤون...