بوشعيب العمراني: الأغنية المغربية، إقصاء وتهميش ممنهج ومقصود....

بوشعيب العمراني: الأغنية المغربية، إقصاء وتهميش ممنهج ومقصود....

نشرت جريدة مغربية، عبر إحدى صحفها، مقالا معززا بتوقيعات فنانين من كتاب الكلمات والملحنين والمغنيين، يستكرون فيه الإقصاء والتهميش، مستنكرين، الاستهانة بكل رموزها. في حين أن بداية هذه الاستهانة بدأت منذ وجد رئيس قسم الموسيقى، الذي حصل على المغادرة الطوعية، بإقدامه على إقناع مديرة سابقة للإذاعة المغربية في دار البريهي، للحصول على الضوء الأخضر ليتصرف بعشوائية، ودون وضع أي نهج سليم، فقام بحل لجنتي الكلمات والألحان، دون تركيز على إيجاد البديل، فأخذ يعين كل مرة أفرادا جلهم بعيدين كل البعد عن المجال الغنائي، بل إنه لجا إلى إعادة النظر وإقصاء نصوصا سبقت المصادقة عليها من طرف أعضاء لجنة كلمات. جامعيون وأكاديميون صادقوا على نصوص ساهمت في إنجاز أغاني عصرية نالت إعجاب المتذوقين في العالم العربي من محيطه إلى خليجه عامة وأغلب المغاربة خاصة، وبقيت عالقة في الأذهان.

فهل قام بنهج هذا الإقصاء بمحض إرادته أم بتواطؤ مع رئيس تكتل لرفض وإقصاء وتهميش الخصوم؟  وفي أحد محاضر لجنة الرئيس المتقاعد قبول 08 أغنيات دفعة واحدة لهذا الرئيس.

هذا من جهة، أما حل كل من أجواق الرباط، والبيضاء، وفاس، فالمسؤولون في دار البريهي. دفعوا بأعضاء من هذه الأجواق إلى الحصول على التقاعد. ومن بقي منهم أرغموهم على تنظيم سهرة إذاعية خاصة بمطرب. بحيث يتحمل هؤلاء الأعضاء الموسيقيون أعباء مصاريف السفر على نفقاتهم أثناء التدريب الذي يتطلب أياما، قبل ليلة السهرة!

هكذا تم حل اغلب الأجواق العصرية، فلم يبق سوى 03 أفراد من جوق البيضاء، وقيل 10 أفراد من جوق الرباط، وأما جوق فاس فربما وقد تناسى المسؤولون في دار البريهي، ان اغلب الفنانين فقراء ولا يمكن لأغلبهم إنتاج أغنية واحدة على نفقته، تتطلب ثلاثة ملاين سنتيم على الأقل وأن يأخذ النوبة مع أحد الأجواق الثلاثة كان الإنتاج بخير. فلماذا توقفت هذه الاستمرارية؟! ومن هو المسؤول الحقيقي؟ ومن له مصلحة حتى في حل جوق الملحون، والجوق الأندلسي.

وبتحويل مقر قسم الموسيقى المتواجد في شارع مولاي الشريف، إلى عيادة طبية، والعبث بأرشيفات مهمة، بعد تسريح الطاقم الإداري. وتجميد الإنتاج الغنائي العصري، والملحون والأندلسي، والغرناطي بضرب البند 78 من دفتر التحملات. الذي يقر بحمل وإلزام الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. على إنتاج 60(ستون) أغنية سنوية بدعم من الشركة. هذا الدعم رغم هزالته. كان يحفز العاملين على الإنتاج الغنائي، صحبة هذه الأجواق التي كانت تزهر وتضيء بوجودهم قاعات مقر قسم الموسيقى، في زمن من الأزمان المشرقة !!؟

علما أن الروائع الموسيقية رأت النور في تلك البناية المأسوف عليها بحسرة كبيرة، فهل قام المسؤولون في دار البريهي بإحداث مقر جديد للموسيقى؟ وهل خلت الساحة الفنية من أفراد عازفين، لتطعيم الأجواق الغنائية قصد استمرارية الإنتاج الغنائي؟ وهل كلفوا أنفسهم بالإعلان عن أخذ رأي العاملين في الحقل الغنائي؟ أو إجراء تواصل معهم لإيجاد البديل؟ وإنقاد ما يمكن إنقاذه؟ كل هذا غائب عن مخيلة المسؤولين في دار البريهي. لأنهم يفضلون استبلاد الجمهور المغربي بتنظيم سهرات، شبيهة بأعراس السطوح، ببرمجة درك وزيد دردك، وباستضافة عناصر تفتقر  إلى كل هوية موسيقية، في كل من تلفزة البريهي وعين السبع، سهرات يشرف عليها عناصر متطفلون لم يلقوا أي تكوين، لا في إعداد ولا في تقديم مواد سهرات ضررها أكبر من نفعها، بحيث يتعرضون إلى سخط واستنكار ليس الفنانين فحسب، بل كل مغربي متذوق، مما يثير الشكوك في انتقاد كل من هب ودب إلى المشاركة في  سهرات تبرمج فيها العيطة بشكل مبالغ فيه، ويتناسى طاقم إدارة الفنانين إن هذه البرمجة المبالغ فيها تؤثر سلبا على المعاهد الموسيقية العلمية.

بحيث سيكون العزوف سببا في إغلاقها مما سيعرض أساتذة ومتعلمين إلى المجهول وقد يتحول المجتمع المغربي برمته إلى أشياخ عيطة مستقبلا. مع العلم أن العيطة لها روادها الحقيقيين، وتكتنز روائع موسيقية تطرب السمع وعيوط أخرى تتطلب البحوث لنفض الغبار عليها. ولكن تطفل البعض عليها. قد يعرضها هي الأخرى إلى الجمود وفساد الذوق.

فأين هي أشرطة مصورة لأغاني مغربية؟ وسهرات؟ صرفت عليها الملاين من الدراهم؟ وأين هي حوارات مع رواد؟ منهم من مات! ومنهم من ينتظر! وأين هو برنامج مساء الفن؟ الذي كان النافذة الوحيدة التي يطل عليها المتتبعون لمجال الفن الغنائي على التعريف بالغناءين؟ وبالإنتاج؟ كل هذا ثم إقصاؤه وتغييبه، وحلت محله مباريات لكرة القدم التافهة، والمسلسلات المدبلجة السافلة. علما أن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وتلفزة عين السبع تمولان من مال دافع الضرائب. أي من المال العام!

فإذا كان ملك البلاد يعمل بدون كلل ولا هوادة على تقوية البنيات التحتية، الخاصة بالثقافة والفن، بتشييد المسارح والمعاهد الموسيقية والمكتبات، والمتاحف، والإشراف الشخصي والفعلي على تنظيم المهرجانات واللقاءات الثقافية والعلمية، قصد اكتساب المغرب لإشعاع يساير الركب الحضاري. وهو عمل محمود ويستحق أكثر من تنويه فإن بعض من يوكل إليهم تسيير الشأن الغني عموما. والغنائي خاصة، ليسوا في المكان المناسب، والساحة لا تخلو من أطر تتمتع بكلمة الخلق والإبداع الايجابي.

سواء في التسيير الإداري أو في تنظيم السهرات. وبرمجة كل ما هو هادف ويرقى بمستوى المجتمع المغربي وذوقه وليس العكس.