الريسوني: علاقة أمير المؤمنين مع الزوايا والتصوف علاقة وجود وتلازم

الريسوني: علاقة أمير المؤمنين مع الزوايا والتصوف علاقة وجود وتلازم

في إطار مواكبة السجال الدائر بين تيارات السلفية والتصوف حول المشروع من البدعة في تعامل المسلم مع السنة النبوية قولا وعملا وتقريرا وتداعيات ذلك في المغرب وثوابته الدينية، أجرت "أنفاس بريس" الحوار التالي مع الأستاذ جهاد الريسوني عضو لجنة تسيير الزاوية الريسونية بتطوان.

+ ما هي قراءتك للحملة التي تشنها السلفية بشقيها الوهابي والإخواني ضد التصوف، والذي تعتبرانه بؤرة للشعوذة والبدعة؟

- إن تهجم السلفية بشقيها على التصوف هو من باب تحصيل الحاصل، ومرده إلى عدم الفهم الصحيح وتجاهل الفقهاء لقدر ومسؤولية الصلحاء. ثم إنه بالرجوع إلى الحديث النبوي الشريف المعروف بحديث جبريل عليه السلام، وهو حديث صحيح عند جميع العلماء، فإن جبريل قد بين فيه المقامات وحددها في ثلاث وهي: الإسلام والإيمان والإحسان. أما الإسلام فهو المطلوب من جميع الناس الذين وصلتهم الرسالة المحمدية عربا وعجما، إناثا وذكورا. وأما الإيمان فهو المطلوب من كل من آمن واستوعب علوم الدين والشريعة والفقه وخالط العلماء استنادا لقوله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم" صدق الله العظيم. وأما الإحسان فمقام لا يدركه إلا الصفوة والنخبة من هذه الأمة الذين يرتقون إلى درجة الفهم والإدراك وإلى مقامات يختارها الباري جل جلاله فيؤتي الحكمة لمن يشاء من عباده. وانطلاقا من ذلك يتضح أن الخوض في موضوع التصوف غير متاح ولا مطلوب من العامة، بل هو مقصور على فئات من الناس يتعاملون مع الموضوع من باب المعرفة بالشيء لا من باب الجهل به. وكما هو معلوم فكل مجهول يولد لدى الإنسان نوعا من الخوف والحذر والرفض، وهو ما يحصل بالنسبة للسلفية في تعاملها مع التصوف.. وكل هذا لا ينفي القول بأن هنالك بعض الجهات التي ينسب أصحابها أنفسهم لبعض الطرق الصوفية، والذين يستغلون قلة الوعي المنتشرة لدى بعض الفئات في المجتمع لتحقيق أرباح شخصية ومصالح ذاتية ويسيئون بذلك للتصوف وأهله أيما إساءة، مما يضفي على ادعاءات السلفية  نوعا من المصداقية والشرعية.

+ هنالك من يرى أن الأمر عادي، ومنذ زمن بعيد والنقاش دائر حول الموضوع يحتدم عند كل عيد مولد نبوي، بينما يرى البعض الآخر بأن التطاول على الاحتفال بعيد المولد هو تطاول على إمارة المؤمنين.. وما جاء في خطاب العرش الأخير، حيث أكد الملك على الهوية الدينية المغربية ورفض الدروس في هذا الشأن القادمة من أية جهة، فما هو رأيك؟

- من الأمور التي حبا الله بها بلادنا دون باقي الدول الإسلامية، أن جعل "ملكها" في فرع من أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، واستقر أهل الحل والعقد في المغرب على أن لقب ملوك المغرب هو (أمير المؤمنين) للقطع مع التبعية للمشرق والخلافة العباسية وبعدها العثمانية، تكريسا للخصوصية المغربية من حيث المذهب والهوية والعقيدة، وحتى الطريقة أو المدرسة التي تنظم التصوف.. وبالتالي فإن العلاقة بين إمارة المؤمنين والزوايا الصوفية هي علاقة وجود وتلازم وترابط عبر التاريخ، حيث تقوم الزوايا من خلال مريديها وأتباعها بتمرير خطابات وآراء ومواقف إمارة المؤمنين، وتبليغها إلى العموم، ومساندتها انطلاقا من مبدأ الطاعة اللازمة لأولي الأمر بعد ثبوت البيعة الشرعية.. وبالتالي فما جاء في الخطاب الملكي الذي دعا إلى تحصين الأمن الروحي للمغاربة في مواجهة مختلف التيارات والإيديولوجيات والتوجهات الخارجية، هو بمثابة أمر واجب التنفيذ وقرار نهائي لا يقبل التأويل والتفسير.. ولذلك كان على كل فئات الشعب المغربي الاستجابة وتلبية النداء الملكي، كل من موقعه.

+ ما هي في نظرك الإجراءات الواجب اتخادها من أجل صون هذه الهوية الدينية ضد المناهج والمذاهب الدخيلة؟

- إن الطرق والوسائل الموصلة لهذه الغاية متعددة ومختلفة، فمنها ما هو رسمي كتسخير جل وسائل الدولة من مجالس علمية وخطباء وعلماء وشيوخ زوايا للعمل على نشر إسلام معتدل وسطي تكون إمارة المومنين محوره الرئيسي.. ثم لا بد من إعطاء دور أكبر للرابطة المحمدية للعلماء للاطلاع بدورهم في هذا المجال.. وبالتالي سد الثغرات في المجال الديني للتفرغ لما هو أدهى وأمر.. وهو التصدي للتيار العلماني المتربص بالبلاد والعباد.. وكل ما قلته لا يستقيم أو يؤتي أكله إلا إذا أخلصنا النية لله واعتبرنا ذلك جهادا في سبيله، وتناسينا المصالح الذاتية وحب الظهور.