عرف المشهد الديني في المغرب في المدة الأخيرة جدلا قويا، وخاصة بمناسبة عيد المولد النبوي، بين التيارات السلفية والتصوف، والغريب في الأمر أن كل طرف ينهل من معين واحد هو كتاب الله وسنة رسوله، ما يطرح السؤال حول طبيعة الاختلاف هل هو اختلاف تضاد أم اختلاف نوعي؟ وما هو دور المكلفين بالحقل الديني في المغرب؟ أسئلة طرحناها في الحوار التالي على الأستاذ ابو اللوز عبد الحكيم، الباحث بمعهد جاك بيرك بأكادير، حاصل على الدكتوراه في القانون العام عن أطروحته (الحركة السلفية في المغرب 2004-1971:
هنالك هجوم تقوده الحركة الأصولية ضد التصوف والزوايا ماهي قراءتك لهذا السجال الدائر حاليا؟
ليس هنالك أي هجوم من هذا القبيل، وما تلفظ به القباج الداعية السلفي أو السيد الهلالي قيادي العدالة و التنمية هي من المسائل العقائدية المسلمة عندهم يرددونها دائما ولا يكون لها أثر في الشارع إلا إذا سلطت عليها وسائل الإعلام الضوء كما وقع عندما أثير النقاش تزامنا مع احتفال الطريقة البوتشيشية بمناسبة عيد المولد النبوي بالإضافة إلى الوزن السياسي الذي أصبح يتميز به سي الهلالي وبات من قياديي العدالة والتنمية وكذلك القباج الذي أصبح شخصية عمومية محسوب على التيار السلفي التقليدي الإصلاحي، فهذه المسائل الشخصية والسياقية هي التي جعلت الموضوع يأخذ هذه المكانة في الحوار الدائر الآن ، أما موقف الإسلاميين من التصوف فهو موقف كلاسيكيأنهم ضد البدع الذي يشكل التصوف في نظرهم واحدا من قلاعه ، لهذا تأسيا على أن الإسلام النقي هو الإسلام الصالح إسلام السنوات الثلاث الأولى حصرا ، ويمكن إدماجه في مطلب الشراكة في الحقل الديني إلى توصية صادرة عن المؤتمر الأخير لحركة التوحيد و الإصلاح ، فوزارة الأوقاف التي تقوم بتدبير الشأن الديني بتكليف من الملك يجب في نظر الإسلاميين أن تفسح للدعاة مكانا لكي يكون لهم دور في نشر الإسلام الصالح بالنظر إلى ما لدعاتهم من مقبولية اجتماعية في ظل عجز رموز الإسلام الرسمي بالتوجهات الضيقة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
البعض يرى بأن الهجوم على التصوف هو هجوم على إمارة المؤمنين فماهي في نظرك دوافع اختيار الحركة الأصولية لهذا التوقيت بالذات لضرب التوابث الدينية في المغرب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وطريقة الجنيد السالك؟
لا ليس هنالك مساس بإمارة المومنين، ولكن بعض الناس قاموا بتأويلات للإسلام الرسمي الذي تديره وزارة الأوقاف والذي لاحظنا فيه مؤخرا نوعا من التذبذب والتقرب من السلفيين من خلال ندوة عقدت بالرباط، وفي مقبولية بعض الأسماء السلفية من السلطة( الفزازي كخطيب لأمير المؤمنين)وفتح المجال الديني أمام مجموعة من الأسماء العالمة المحسوبة على التيار السلفي وبالتالي أنا أعتقد أنه ل ايجب تركيز الحديث عن السياق الرسمي لأمير المومنين الوسيط على القطاع، ولكن عن "سياسة عمومية" رسمية لوزارة الأوقاف التي لها خطين ، خط واضح متعلق بالدفاع عن الثوابت المغربية في التدين ، وهو خط ديبلوماسي ومعلن عنه ، وهنالك خط آخر لسياسة غير معلنة تروم التوفيق بين مختلف الرؤى خصوصا إذا كان معها عمق سوسيولوجي في المغرب يعني التوفر على أتباع وبالتالي هذا تدافع لا بد من أن يظهر بين الحين والآخر و لا يجب أن يتم قمعه تحت أي مسمى ، أما مسألة التوقيت فقد قلت أن ذلك يرجع إلى تظافر عدة عوامل منها أولا عيد المولد والذي يعتبر تقليدا مغربيا وكان دائما مثار أخد ورد حول مشروعية الإحتفال به، وثانيا احتفال الزاوية البوتشيشية وثالثا مواكبة الصحافة التي أفاضت في تفصيل الجدل الكلاسيكي حول الإحتفال، اليوم هنالك من يريد أن يشعل الموضوع برمي جمرة حارقة بين السلفيين وأهل التصوف بينما هو أصلا ليس سوى أداء وممارسة سياسية ، ولكن أظن أن القييمين الدينيين في المغرب لن يعطوا المسألة أكثر مما تستحق لأنهم يعرفون أنه يوجد في المغرب تعدد سوسيولوجي وأن الدور الرسمي محترم والسياسة تسعى دائما إلى التوفيق ولا تسعى إلى فرض طرح ديني معين والآن مع ما يقع في الشرق الأوسط ستشتعل الأمور أكثر لأنه بمثابة الوقود الذي صب على الزيت .
لقد أكد الملك خلال أحد خطبه الأخيرة على تشبت المغرب بثواتبه الدينية وحذر من مغبة زعزعنها من التيارات القادمة من الشرق سواء الإخوانية أو الوهابية أوالشيعية لكن إلى حد الآن هنالك تردد من طرف السلطات المغربية المختصة في اتخاذ الإجراءات الضرورية وفق وتنفيذا للتحذير الملكي فما هو في نظرك هذا الأمر ؟
ينبغي أولا التأكيد على أن هذا الخطاب يتوجه إلى الفاعلين لسياسة عمومية يرعاها أمير المؤمنين وهم المرشدون والأئمة والخطباء والمجالس العلمية.. ولكن خارج هذا الحقل الديني الرسمي،هنالك حق دستوري يخول حرية تبني قناعاتهم الدينية سواء كانوا من فئة المسلمين أو المسيحيين أو اليهود بشرط عدم الإخلال بالنظام العام ، لأنه ماهي زعزعة عقيدة المسلم ؟ هل هي العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي؟ ففي هذه الحالة سنكون أمام دولة طائفية ، وبالتالي فالمقصود هو النموذج الرسمي الذي يرعاه الملك أما في المجتمع فهنالك نماذج أخرى عديدة وإلا لما استقام الحديث عن نموذج واحد إذا لم تكن هنالك نماذج متنافسة.