نبيلة منيب: نحن كخط ثالث من النضال سنمثل "بوديموس المغرب" ونحن قادمون وقادرون

نبيلة منيب: نحن كخط ثالث من النضال سنمثل "بوديموس المغرب" ونحن قادمون وقادرون

مرت حوالي سنتان على تأسيس فدرالية اليسار الديمقراطي بتحالف ثلاثة أحزاب هي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد. وجاء هذا التنظيم، حسب المؤسسين، ليجسد تصورا مشتركا متقدما في أفق إعادة بناء حركة اليسار المغربي. فما هي نتائج هذه التجربة؟ وأين وصل مشروع الدمج في حزب واحد؟ وكيف تستعد للاستحقاقات التشريعية المقبلة؟ أسئلة وغيرها طرحناها على القيادية نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد في الحوار التالي :

+ من المرتقب أن تجرى استحقاقات تشريعية لانتخاب أعضاء مجلس  النواب في 2016، فكيف تستعد إليها  فيدرالية اليسار الديمقراطي؟

- الحزب الاشتراكي الموحد يستعد للانتخابات المقبلة في إطار فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي تشكل مكسبا في طريق إعادة بناء اليسار المغربي وتشكيل جبهة ديمقراطية واسعة قادرة على خلق ميزان قوى لصالح التغيير الديمقراطي الشامل الذي لا يزال حلما رغم التضحيات الجسام التي قدمت ولا تزال.. لكن في نفس الوقت الذي نعمل فيه على استثمار تجاربنا الناجحة في بعض الجهات، وعلى الانفتاح على شخصيات وجمعيات وأطر، فإننا نتابع الحركية الغير عقلانية واللامنطقية التي يعرفها المشهد السياسي المغربي والتي تزداد ضبابية وتحكم وتوزع الأدوار، بالاعتماد على التكنوقراط وتهميش الفاعل السياسي المستقل، في مقابل الرضى على السياسي الذي يقبل باللعبة السياسية المغشوشة، حفاظا على مصالحه ومصالح تياره، تحت خدعة خدمة مصلحة الوطن واستمرار نفس الاختيارات والتوجهات المتناقضة مع الديمقراطية والتحرر والتقدم. وفي تناقض مع طموحات الشعب المغربي الذي يزداد فقرا وتهميشا وإهانة، حيت أنه ما يسمى إصلاحا، سيتم على حساب الفئات الأكثر معاناة من الظلم الاجتماعي.لذا فإننا سنخوض المعركة الانتخابية بطريقة علمية، لفضح الفساد ولترشيح نخب كفؤة ونزيهة لنحصل على نتائج تجعل الأمل يستمر خدمة للمصلحة العليا للوطن وللمواطنات والمواطنين، الذين ننتظر منهم الدعم الكبير، لأن ذلك سيخدم مصالحهم لا محالة.

+ أين وصل مشروع دمج أحزاب هذه الفيدرالية في حزب واحد؟ وما هي نقط التقاطع القوية بين أحزاب الفيدرالية،  وما هي المراحل التنظيمية التي يكون قد قطعها الدمج؟

- الأحزاب المشكلة للفيدرالية، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والحزب الاشتراكي الموحد، انتقلت من تحالف إلى فيدرالية، وهو شكل متقدم لعمل المكونات الثلاثة، انطلق من التقارب الذي حصل في إطار التحالف وتقديم مرشح مشترك خلال انتخابات 2007 و2009، إلى وضع أرضية سياسية وتنظيمية كإطار للفيدرالية، التي أعلن عن ميلادها في 23 مارس 2014، وتجاوز التقديرات المختلفة التي حصلت خلال 2011 بخصوص الوثيقة الدستورية والمشاركة في الانتخابات. إن العمل الميداني المشترك وخوض معارك لترجمة جوانب من المشروع المجتمعي الذي تلخصه الوثيقة التي تجمعنا والاستراتيجية النضالية المعتمدة، ليحصل التغيير وتحقيق نظام الملكية البرلمانية والمجتمع الديمقراطي الذي تتحقق فيه المواطنة الكاملة والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. الفيدرالية تعمل على استكمال هيكلتها الإقليمية والمحلية بعدما وضعت هياكل تقريرية وتنفيذية، الأولى مشكلة من 153 عضو وعضوة من داخل المجالس الوطنية، والثانية تضم 21 عضو وعضوة من المكاتب السياسية الثلاث. المشروع الوحدوي مطروح والعمل على توفير شروط نجاحه مستمر على عدة واجهات، باعتباره لبنة أساسية في إعادة بناء اليسار والخروج من أزمة الحركة الديمقراطية المغربية.. ولهذا الغرض، فإن مشروعنا يتقدم كخيار ثالث للنضال الديمقراطي في مواجهة الأصولية المخزنية والأصولية الدينية اللتين تعرفان تحالفا وتقاربا متعارضا مع مصلحة البلاد في بناء المغرب الديمقراطي الحداثي والمنخرط في عصره والقادر على رفع التحديات المستقبلية المرتبطة بالسلم والإستقرار والتنمية وتجاوز الأزمة الاجتماعية الحادة والتي تزيد من حدتها الاختيارات الاقتصادية المملاة من قبل المؤسسات المالية والتي تسد الأفق أمام الشباب المتطلع للكرامة، والذي أمام ما يشعر به من إهانة وتهميش، فهو معرض للمخاطر بما فيها التطرف.

+ كيف تفكرون في مواجهة هيمنة المد الأصولي الذي اكتسح الساحة السياسية في المغرب بشكل لافت كما لوحظ ذلك في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة؟

- إن مشروع الخط الثالث، الذي يهدف إلى إرساء الدولة الديمقراطية الحديثة، متناقض مع المشروع المخزني الرافض للديمقراطية والمتردد دوما أمام الإصلاحات التي لم تعد قابلة للانتظار ومتناقض مع المشروع الأصولي، الذي  أبانت الانتخابات السابقة لأوانها التي نظمت، بعد اندلاع  الربيع العربي، نهاية 2010 و2011، على قدرته التعبوية الكبيرة، نظرا لاستفادته من الوضع الاجتماعي المتأزم والناتج عن أنظمة مستبدة، عملت على التفقير والتجهيل، عمقت الفوارق وسهلت على التيارات الأصولية، الظهور كحاملة لتطلعات الشعوب في التغيير. كما اعتبر البعض أنها ربما تحمل منطق المواطنة والديمقراطية، لكن انتصار هذه التيارات عبر صناديق الاقتراع سيوضح عدم استيعابها للديمقراطية كفلسفة وعدم إيمانها بالمواطنة، فضلا عن عدم توفرها على مشروع اقتصادي ومجتمعي قادر على الإجابة على مطالب العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية الذي رفعته الجماهير المنتفضة، ولذا فبعد التراجعات التي عرفتها وستعرفها، وكذا الخراب الزاحف تحت دريعة  الدين، الذي هو براء منه، يجعلنا ربما نعيش بداية نهضة شعوبنا التي ظلت ترزح تحت طغيان المستعمر الخارجي والاستبداد الداخلي والموروث الثقافي البائد، الرافض للقراءة التنويرية لتراثنا الحضاري والديني. من هنا تبرز راهنية المشروع الذي نحمله: مشروع الخط الثالث الذي نناضل من أجله وضرورة التعبئة حوله، مشروع يؤمن بتحرر الإنسان وقدرة الشعب على تدبير الشأن العام وعلى ممارسة السيادة الشعبية، وعلى التداول السلمي على السلطة وعلى العمل على ضمان التوزيع العادل للثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحقيق المواطنة الكاملة.

لذا فإن مواجهة المد الأصولي يدخل في نطاق الصراع السياسي، والذي يتم على عدة واجهات، سياسية تتعلق بطبيعة النظام، ثقافية ترتبط بالقيم والمبادئ التي تؤطر المجتمع، حقوقية مرتبطة بالمساواة، في مجال الحريات كأساس لبناء الدولة الديمقراطية، على الواجهة الاجتماعية الجماهيرية، وخصوصا عبر إعادة بناء اليسار وتوحيد قواه حول مشروع يساري متجدد، مستخلصا الدروس من نقد بناء لتجاربه، ومنفتح، يعيد بناء الجسور تجاه الفئات الواسعة التي تعاني من الإقصاء والتهميش والتي يحمل لها اليسار، دون غيره، مشروعا للتحرر وللتوزيع العادل للثروة، والتي يعمل اليسار على التواصل معها ليجعلها تنخرط في مشروع التغيير الديمقراطي الشامل، لتتحقق النهضة الفكرية والثقافية التي ستهزم الرجعية وتجعلها تتراجع أمام العقلانية والانخراط في العصر ومتطلباته.لتجاوز ما يسوق له كتقاطب بين جبهتين حداثية وأخرى أصولية، وما يعرفه المشهد السياسي من تراجع وترددات، خاصة بعد الثورات المضادة والتدخل الإمبريالي والرجعي العربي، وأمام تنامي التطرف والحروب المفتعلة تحت ذريعة الدين، خدمة لأهداف لا دينية ولا حضارية، يبقى أمل الشعب مرتبطا بقدرته على التمرد الخلاق والقطع مع التردد والفرص الضائعة ليتقدم نحو تحقيق المواطنة الكاملة والخروج من وضع الرعية، لبناء الدول الديمقراطية، التي تربط المسؤولية بالمحاسبة وتحقق العدالة الاجتماعية.

+ إلى ماذا تردون انهيار الأحزاب التقليدية بصفة عامة وظهور هيئات سياسية جديدة لم يكن لها حضور قوي في السابق  كالحزب الراديكالي بوديموس (القادمون) الإسباني؟ وهل تعتقدون بإمكانية انتقال الظاهرة إلى المغرب؟

- من أهم التحولات التي يعرفها العالم اليوم، والتي تؤثر على الهيات السياسية:تراجع السيادات الوطنية أمام سيادة منطق السوق وإملاءات المؤسسات المالية، حيث أن المديونية المرتفعة للدول، تفقدها سيادتها المالية و من تم تفقدها سيادتها الوطنية. واستمرار الأزمة المالية والاقتصادية للنظام النيوليبرالي المتوحش، الذي ينبني على منطق الربح، وما ترتب عنها من فرض سياسات  التقشف على الدول، من خفض أو تجميد الأجور وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات العمومية وضرب المكتسبات وارتفاع مهول لنسبة البطالة، جعل الشعوب لا تثق في الحكومات التي تتعاقب دون أن تتحسن أوضاعها، الشيء الذي أدى إلى إسقاط حكومات منتخبة ديمقراطيا.

كما أن  عصر التواصل السريع والوصول إلى المعلومة يمكن من تتبع عمل الهيات السياسية، التي يجدها الجيل الجديد، في معظمها، تقليدية غارقة في أساليب اشتغال متجاوزة وبدائية وبطيئة بالنسبة للتطور الصاروخي الذي يعرفه العالم التكنولوجي والمعرفي والتواصلي، بالإضافة إلى الافتقار إلى المنهجية الناجعة وإلى أدوات التقويم والتقييم، فضلا عن تفشي قضايا الفساد السياسي داخلها وانتهازية النخب، الشيء الذي يزيد من عزوف الشباب على السياسة التقليدية.

كما أن الاوضاع الكارثية التي تعرفها البلدان المغاربية والعربية، من تبعية وتخلف وسيادة الفساد والاستبداد والشعور بالإهانة والحكرة، جعل الشعوب تنتفض وتطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن تدخل الإمبريالية مدعمة بالرجعية العربية، أدت إلى ثورات مضادة وأغرقت بلدانا في الخراب وانهيار كياناتها. واستمر الفساد وأجلت النهضة المنتظرة إلى أجل منظور، ليستمر التهميش والاستغلال والإهانة ومعها تنامي التطرف والهمجية.

لهذه الاسباب ولأخرى، ظهرت توجهات سياسية جديدة يقودها سياسيون جدد، يحلمون بعالم بديل أكثر تضامنا وعدلا، وكلهم عزيمة وإصرار على التمرد الخلاق وإيقاف المنحى البئيس والمتردي. فبعدما فشلت الأحزاب التي تنتمي لليمين وحلت محلها توجهات متطرفة، عنصرية، تزداد اتساعا يوما بعد يوم، وبعدما لم تعد الأحزاب اليسارية يسارية، بمحاولاتها المتكررة للتكيف مع نظام العولمة عوض أن تعمل على تغييره، وابتعادها بذلك عن مشروع تحقيق العدالة الاجتماعية وتحرر الإنسان، كان من الطبيعي أن يظهر البديل وأن ترفض الحتمية البئيسة ذات الأثار القاسية والمؤلمة. الجواب جاء على شكل اليسار الجديد، وليد عصر التواصل وشبكات التواصل الاجتماعي، ومتشبث بالمبادئ الأساسية للتحرر والفكر النقدي ومستند على مجتمع مدني غاضب ومنخرط ومسلح بعزيمة مقاومة حتمية العولمة المتوحشة وسياسات التقشف التي أدت إلى كوارث اجتماعية. في هذا السياق، اليسار المغربي، الذي يعمل على نقذ بناء لتجربته، واستخلاص الدروس من التجارب الدولية، للاستفادة من كل النجاحات والتطورات لاستعادة الثقة في المشروع وثقة الشعب في أن التغيير الذي سيحد من التبعية والتخلف ويؤسس للمجتمع الديمقراطي المتضامن والحداثي ممكن، وأن اللحظة مواتية، لتمنيع مجتمعاتنا ضد التطرف وآثار التخلف، بخلق الأمل المرفوق بالاستراتيجية النضالية المحكمة والمتبنية لخط النضال الديمقراطي المتجدد، الخط الثالث المنفتح والقادر على خلق تعبئة وانخراط واسع حوله من طرف الفعاليات الثقافية والمجتمعية والاجتماعية والشبابية والنسائية والأمازيغية، بهدف إيقاف مسلسل إخلاف المواعيد مع التاريخ والانخراط في هذه الدينامية لعالم بديل. إن فيدرالية اليسار لبنة مهمة بالإمكان أن تشكل حركة جماهيرية واسعة للقطع مع أزمة الحركة الديمقراطية في بلادنا، ونحن نعمل بروح وحدوية على أن نمثل "بوديموس المغرب" للفترة المقبلة، فنحن "قادمون" و"قادرون".