الصمت عن العنف ضد النساء في الصحراء.. عنف أقسى !

الصمت عن العنف ضد النساء في الصحراء.. عنف أقسى !

330 حالة عنف أسري سجلها مركز أم السعد لاستقبال واستماع النساء ضحايا العنف بمدينة العيون لموسم 2014/2015 فقط، تتنوع بين عنف جسدي، نفسي، مادي وغيره...

رقم مرتفع في ظل مجتمع ينفي وجود عنف ممنهج به ضد المرأة.

ج.م امرأة كسرها نفسيا وماديا التستر على إدمان الزوج، تحكي قصتها بعين دامعة: "حين تزوجته لم أكن أعلم أنه مدمن كحول، كان يكفي بالنسبة لأهلي أنه فلان ابن فلان من القبيلة الفلانية، له دخل شهري لا بأس به، كما أن مظهره لم يكن يوحي بشيء مما اكتشفته فيما بعد".

تتنهد وتتابع قصتها الموجعة وهي تشبك أصابع يديها.. "تزوجنا وكان شهر الحياة الأول عاديا بنسبة مقبولة، لم ألحظ شيئا، ويبدو أنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، أصبح يضيق بكل شيء وأي شيء، ولم أفهم أين خطئي.. كان يفتعل الأسباب لنتعارك ويخرج.. كنت صبورة جدا، كلما رفعت صوتي، تذكرت آخر كلام أمي وأنا أغادر منزل أهلي عروس: الرجل رجل يا ابنتي مهما أخطأ.. الصبر للمرأة فقط وليس له".. كنت أكتم غيظي وأصبر، وكان هو يغادر المنزل و لا يعود إلا فجرا.. كان يأتي بعد أن أغرق بنومي، ويغط في نومه. كثرت غياباته عن العمل، رائحته تزداد كراهة كل يوم، عصبيته تزيد.. مضت ستة أشهر على هذا الجحيم.

تحدثنا ح.م. عن نهاية حياتها الزوجية الحزينة وعما خلفه لديها إدمان زوجها على الكحول من إحساس بالذنب والعار: "حين واجهته بحقيقة إدمانه على الشرب، أرعد وأزبد وأنكر، ثم أخذ يكسر كل ما تقع عليه يداه... كنت أرتعش وأبكي.. كان الموقف صادما، فلم يسبق لي أن رأيت أمرا مماثلا أو عشته.. غادرت بيت الزوجية، ولم أتجرأ أن أخبر أهلي أو أهله الساعين للصلح عن حقيقة خلافنا.. لم أملك القدرة أن أصرح في مجتمعي المحافظ المتدين أن زوجي مدمن خمر !"

إلى جانب هذه الزوجة المنكسرة تجلس "ف.س" شابة مطلقة، تبدو مترددة، تتطلع إلينا بعين الحذر المشككة، اقتربنا منها ونحن نحاول زرع الثقة بيننا لتحدثنا عن وضعيتها، وافقت بعد تردد طويل على ذلك شريطة ألا تلمح ظل كمرا أو هاتف نقال يلتقط صورا أو يسجل حرفا من كلامها، وكذا بعد أن أقسمنا بأغلظ الأيمان ألا نذكر اسمها أو اسم عائلتها أو ما يشير من بعيد أو قريب إلى هويتها ..

تبدأ "ف.س" سرد تجربتها المريرة فتقول: "أنا مطلقة منذ 4 سنين، تقدم شاب لخطبتي ذات يوم، لم أكن مطمئنة للأمر، كان يرقب تحركاتي ويصر ألا أخرج إلا معه، أن يوصلني و يعيدني إلى المنزل.. كان خانقا، أحسست بحريتي و حياتي تتسرب من بين يدي... كأنني سبيته! كان عنيفا في لفظه وتصرفاته.. كنت أردد مع نفسي دائما.. يعاملني هكذا بفترة الخطبة، كيف سيكون بعد الزواج!... لكنني لم أتجرأ على فسخ الخطبة والتراجع عنها، كيف وأنا المطلقة الحاصلة على فرصة الزواج من رجل "ماكط فتح سرواله على امرأة" كما يقال عندنا أي لم يسبق له الزواج قبلا.. كانت أمي حين أتذمر أمامها تصفني بالخرقاء إن ضيعت فرصة إغاظة طليقي وأهله أن تزوجت بشاب لم يسبق له الزواج !"

عندما سألناها عن السبب المباشر الذي ترتب عليه وضع حد للعلاقة قالت: "عدم اعتراض أهلي على تصرفاته وحبسه لي وقساوة طبعه، جعلته يتمادى.. وزاد اختناقي، فكرت أن أتمرد، عاكست أمره ألا أقصد منزل صديقة لي، إتصل كثيرا ولم أرد، قصد منزل أهلي، فأخبرته أمي التي كانت ترفض بدورها صداقتي مع المرأة التي قصدت منزلها فقط لأنها مطلقة ! لم أبالي بكل هذا .."

ثم تواصل قائلة: "و أنا أخرج من منزلها فوجئت به مرابضا عند باب المنزل بسيارته، انكمش قلبي رعبا من طريقة نظراته، لم يلق التحية، أمسك بي من ذراعي ورماني بالمقعد المجاور له كطفل رضيع، لم أتجرأ على المقاومة، أدار محرك السيارة فطارت بنا، أمضينا حوالي النصف ساعة لا أسمع سوى هدير المحرك وضوضاء الشوارع وزفيره وهو يلفظ دخان سجائره المتعاقبة بغضب كأن له ثأرا معها.. أو معي !"

ما تقوله كذلك محدثتنا عما شعرت به اثناء تلك اللحظات العصيبة البائسة يعبر عن مدى العجز النفسي واهتزاز النظرة للذات الذين يخلفهما العنف المسلط على النساء: "تخيلت نفسي أصرخ به، وأرفض عنفه وأطرده من هذه العلاقة المشؤومة، ورأسي الذي يدور حسب حركة السيارة ينتفض كل مرة، لينبهني لانكماشي في المقعد الذي يشي أن انتفاضي أمر لن يتجاوز الخيال !"

بقية القصة تؤكد ما هو متعارف عليه من أن العنف لا يكون نفسيا فحسب بل يتبعه غالبا عنف لفظي وعنف جسدي: "أوقف السيارة بمكان مظلم في أطراف المدينة وبدأ يصرخ بي.. وصفني بأقذر الألفاظ وأشنعها، أخبرني أنه مخطئ حين فكر أنني سأصلح زوجة وأنا مطلقة! وأنني من الطبيعي أن أقصد صديقتي تلك وأحن لحياة المطلقات وعربدتهن.. كيف له أن يتحدث عنها؟؟ هو لا يعرفها أساسا.. -تترقرق عيناها بالدموع وهي تواصل- كان يكيل اللكمات لمقود السيارة وفجأة لوجهي! ضربني طويلا.. ومزق ملابسي.. حاولت الهرب من السيارة فجذبني بقوة إليه حتى أحسست بأنفاسه تلفحني، ثم فتح باب السيارة ورماني خارجها .."

تمسح دمعها المنهمر وتواصل: "لم أتجرأ أن اذهب للمنزل مباشرة.. بعد أن تمكنت من الوصول لأول نقطة ضوئية، وأحمد الله ألم تتعرض لي ذئاب بشرية فالمنطقة التي تركني بها حيث كانت نائية جدا، مر من أمامي مباشرة سيارة أجرة فارغة، توقف صاحبها مصدوما من منظري، سألني ما بك لم أتمالك نفسي، ارتميت في المقعد الخلفي وأخبرته بعنوان صديقتي التي غادرتها منذ ساعات، من أول وهلة فهمت ما حدث عندما رأتني، كانت تخبرني أن ذاك الخطيب طينة سيئة من الرجال، أخذت تكفكف دمعي وتلعنه وتضمد جراحي، إلى أن غفوت.. لا أدري أمن التعب أم من ضغط وهول ما حدث، استيقظت في ساعة متأخرة من الليل".

تلخص "ف.س" تجربتها المريرة بقولها: "كل هذا لم يؤلمني بقدر ما آلمني موقف أهلي.. لم أستطع العودة لمنزل أهلي إلا في صباح اليوم التالي... استقبلني أخي بصفعة على الوجه لتليها ركلة، أخبرتهم وأنا أبكي بما حدث فما كان منهم إلا سجني ومنعي من الخروج، كيف لا وهم الأسرة المرموقة التي لن ترضى أن تلوك الألسنة سيرة ابنتها وتؤلف الحكايات الدرامية عن حقيقة ما حدث مع ذاك الذئب المسمى خطيب !"

تصرح السيدة "فتيحة العكري"، مؤسسة المركز، بأن العنف الذي تتعرض له المرأة الصحراوية بالأقاليم الجنوبية ليس بالضرورة عنف جسدي، فالعنف ضدها قديم ومتمثل في تعنيفها اقتصاديا من خلال إعالتها المستمرة من طرف الزوج أو الأب، عنف معرفي في حرمانها من  مواصلة المشوار الدراسي وتفضيل تزويجها، والعنف الزوجي يحضر نفسيا أكثر، كظاهرة تعدد الزوجات التي لا يوجه المجتمع فيها لومة للرجل رغم عدم توفره على الشرط التعجيزي الذي اشترطه القرآن للزواج من أكثر من امرأة وهو العدل والكفالة.

وتضيف بوشيعة فاطمة، مساعدة اجتماعية سابقا بمستشفى مولاي الحسن ابن المهدي بالعيون، رئيسة جمعية ثقة لمساندة المرأة والطفل في وضعية صعبة، أن المرأة الصحراوية لم تكن تقبل التصريح أنها معنفة، بل كانت تتآمر مع المجتمع ضد فضح الرجل لما كان يشاع من ثقافة المرأة المصانة، فتعود مثقلة بأبنائها صوب منزل الأب الذي يتحمل مسؤوليتهم جميعا، ليمضي الرجل لزواج آخر، وتقبع الأم مع أبنائها تتحمل مسؤولية تربيتهم وحيدة.

إلا أن حقيقة العنف حقيقة لم تلبث أن جهرت بنفسها، قد يكون العنف الجسدي غير شائع إلا أنها تتعرض كغيرها من نساء العالم لعنف لفظي ونفسي، كما أن العنف الجسدي في تزايد في السنوات الأخيرة، تضيف "فاطمة"، إلا أن تكاثر المراكز المستمعة للنساء ضحايا العنف التي تصل اليوم لثمان مراكز موزعة على التراب الوطني ساعد في فضح هذه الحالات، حيث أصبح للمرأة باب تدقه وأذن تستمع لها ورغم الأرقام المسجلة إلا أننا لا ننكر أن المجتمع الصحراوي ليس أكثر عنفا من المجتمعات أخرى اتجاه المرأة لكن على المعنفة أن تعي أن ليس من العيب أن تجهر بتعرضها لعنف مهما تنوع واختلف، حتى تساهم في الحد منه والقضاء عليه في مهده.