محمد البكري: المصطفى النقي البهي المبدع الخلاق

محمد البكري: المصطفى النقي البهي المبدع الخلاق

أي خبر صاعق هذا!؟ لا يمكن. أيها الموت القاسي، إلا مصطفى (المسناوي)؟ يستحيل، أيها الموت، إنك تقطع أوصالنا إربا إربا.. فليكن، لكن ليس مصطفى، فلابد أنه سخر منك واستهزأ.. أكيد أنه استعصى عليك وأتعبك، وأنك تحس بتأنيب ضمير القاتل.

***

أتذكر، اليوم، ما قال لي، في الصيف الفارط، حين دعاني إلى غذاء بوجبة حوت في مطعم من مطاعم السوق المركزي.. وبعدما أوضح لي وضعه الصحي وكثرة الفحوص والمتابعة الدائمة والمرهقة والدقيقة، بسط كيفية نظره إلى الموت، وأنه ينتظره ببساطة وهدوء (لا يخلو في نظري من هزء)، لكن بدون استسلام ولا يأس وأنه يحاول أن يحيى حياته بشكل عاد. اعتبرت ذلك مجرد سخرية سوداء عابرة... وتفهمت في الوقت ذاته أن التزاماته الصحية ستحول دون العمل الدائم في مشروع (ثقافي) جديد وجاد كان -ولا يزال- التفكير في إنجازه قائما

***

مصطفى الصديق، منذ التهييء للعدد الأول من مجلة "الثقافة الجديدة" وحتى أواخرها قبيل الأمر بتوقيفها.. مرورا بتجربة "بيت الحكمة" في أعدادها النادرة المثال، مع الصديقين مصطفى كمال ومحمد بولعيش؛ ثم تجربة "الجامعة" مع الصديق والرفيق عبد الصمد بلكبير، وهي المجلة/ الصحيفة التلاميذية، التي لاقت رواجا منقطع النظير بين التلاميذ والمدرسين، وتميزت بمحتوى جديد من نوع خاص، وطريقة رفيعة في تناول المواد الدراسية من لدن كبار المثقفين والأساتذة الأفذاذ، وامتدت تلك الصداقة حتى شهور قريبة، في محاولات جادة لاستئناف العمل في إطار تجربة جديدة وجادة.. صداقة امتدت عميقة راسخة طيبة في تفاصيل الحياة اليومية الحميمية والهموم العمومية، والعمل الثقافي المناضل.

مصطفى الرفيق، رفيق المبادئ والأفكار والنضال الثقافي لتأسيس وترسيخ ثقافة جديدة على مبادئ صلبة تقدمية وإنسانية وعصرية متنوعة: فلسفية وأدبية ونقدية وسينمائية وفنية وسياسية وثقافة شعبية.

مصطفى المتنوع والمتعدد الكفاءات: فهو أستاذ الفلسفة -أولا- والكاتب في الفلسفة..

مصطفى الكاتب والناقد الأدبي، ودارس الأدب الشعبي..

مصطفى السينمائي الذواقة المتعمق، فهو السيناريست والناقد السينمائي البارز دوليا وعربيا والمحلل والخبير..

مصطفى عاشق الموسيقى الرفيعة والجميلة..

مصطفى محب التشكيل والرسم الفني والرسوم المتحركة..

مصطفى كاتب السكيتشات بامتياز، لكبار الفنانين الساخرين في المغرب.. والتي أضحكت ملايين المغاربة..

مصطفى ذو الثقافة السياسية والمناضل، المعتقل في ريعان شبابه، تتصف تحليلاته وعروضه -الشفوية غالبا- بالعمق والجدية والقدرة على الإقناع العقلي والإفادة، تبتعد بك كل البعد عن أمراض التحليلات العادية الرائجة، من تكرار واجترار ولغة خشب.. إنها حية وعميقة وحارقة.. والتي ينهيها أو يخللها بقفشات غاية في الإبداع..

مصطفى المثقف العصري.. المتابع بنهم وحب لكل مظاهر التقدم البشري والمعاصر ومن مصادرها وبلغات متعددة، ففضلا عن العربية هناك الاسبانية التي يخطب بها ويتكلم بطلاقة بالإنجليزية..

مصطفى القصاص سبق اسمه، من ذي قبل، معرفتي الشخصية به، وهو ينشر كصوت شاب، كصوت قوي، أصيل، مثير، مجدد وفريد نوعه، على صفحات جريدة العلم في وقت مبكر من بداية حركة السبعينيين، والصوت الرائد المتنوع الممتع في كل نص من نصوصه القصصية، وكان يبهجني أن أرى كتابا كبارا كسهيل إدريس أو أدونيس أو صنع الله إبراهيم.. على سبيل المثال، يعجبون به كاتبا ومحاورا..

مصطفى المثقف الطيب، المدهش بلطفه ونكتته وروحه المفعمة مرحا وسخرية ودماثة خلق، المبدع حين يعز الإبداع..

مصطفى الأخ الذي اقتسمت معه الكثير والكثير طول العمر…

مصطفى الإنسان الرائع، مصطفى المثقف المغربي الكبير، كاتبا وناقدا وفنانا وخبيرا سينمائيا، وأخا وصديقا... آنق وأبهى سلام على روحك الجميلة الطيبة ولذكراك الخالدة خلودا يقهر الزمن.

لا أستطيع اختزاله في شهادة سريعة ولا حتى في كتاب، إنه أكبر وأغنى وأمتع وأروع وأفضل من كل ما تتيحه لي الكلمات.

لقد فقدت نفسي بفقدانك...

Achari-Mesnaoui

الراحل مصطفى المسناوي (الثاني يسارا) وبجانبه (يمينا) الروائي المصري صنع الله إبراهيم والشاعر والروائي محمد الأشعري