قبل أسبوع، انتقل أمنيون مغاربة، وعلى رأسهم ياسين المنصوري مدير «لادجيد»، وعبد اللطيف الحموشي مدير«الديستي»، يتقدمهم محمد حصاد وزير الداخلية، إلى فرنسا، وذلك في سياق تعميق التعاون الأمني بين البلدين، وفي سياق ملء التعهد المغربي بتقديم المساعدة إلى الفرنسيين لكسر شوكة داعش التي علقت بحلق مدينة الأنوار على دفعتين، كانت آخرها الضربة التي أودت بحياة أكثر من 130 شخصا. ماذا تعني هذه الزيارة؟ وماذا يعني تهافت أجهزة الأمن الأوربية والأمريكية من أجل الاستفادة من الخبرة الاستخباراتية المغربية؟ وماذا يعني الاعتراف بالنموذج الأمني الذي أقامه المغاربة لتطويق مقاتلي دولة «سيدنا» أبوبكر البغدادي ومحاصرتهم وتضييق الخناق عليهم عن طريق اقتناص المعلومة وتوظيفها في الوقت المناسب لتفكيك الخلايا الإرهابية وكشف عناصرها أو ذئابها المتفردة؟ هذا يعني، أولا، أن التجربة والخبرة الكبيرتين اللتين راكمتهما المخابرات المغربية بمختلف أصنافها الخارجية (لادجيد)، والداخلية (الديستي)، المدنية والعسكرية، استطاعت أن تحوز سمعة دولية جعلت العديد من العواصم تبادر إلى توقيع اتفاقيات أمنية مع الرباط، حيث أصبح المغاربة رقما صعبا لا يمكن تجاوزه عند الحديث عن «الحرب ضد الإرهاب». وهذا يعني، ثانيا، أن الأجهزة الساهرة على حماية الأمن العام ببلادنا، بإمكانها أن تقدم، بحرفية عالية، الدعم الاستعلاماتي إلى أصدقائها عبر العالم، وفي المقدمة فرنسا -التي ما كان لها أن تحاصر أبي عود، مخطط هجمات باريس الأخيرة (13 نونبر2015) لولا الدعم المغربي الذي حدد موقعه بإحدى شقق سان دوني- وبلجيكا (التي بادرت هي الأخرى إلى طلب الدعم وإرساء تعاون وثيق مع المغرب). وهذا يعني، ثالثا، أن تقرير الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان (شتنبر الماضي)، والذي يعتبر أن المغرب «يتوفر على أقوى جهاز استخباراتي في العالم العربي، سواء من حيث مهنية واحترافية العاملين في صفوفه، أو في عملياته الاستباقية لإفشال العديد من المخططات الإرهابية»، يؤكد أن دور المغرب، بخصوص التطورات الكثيرة المرتبطة بالخطر الإرهابي سواء على المستوى الإقليمي أو الجهوي أو الدولي، أصبح الآن محوريا، خاصة على المستوى الإقليمي، وذلك بسبب التطورات الخطيرة التي عرفها الارتفاع في تدفق إرهابيين، سواء من المغرب أو غيره من البلدان للالتحاق بتنظيمات الإرهاب في العراق وسوريا وتهديدات هؤلاء الإرهابيين بعد العودة إلى بلدانهم؛ وهو الأمر يضيف التقرير الذي جعل الخبرة المغربية الكبيرة، في مجال الاستخبارات التي اكتسبها في السنين الأخيرة في محاربة التنظيمات الإرهابية، مطلوبة أكثر من أي وقت مضى. لقد كان المغرب فعلا سباقا إلى وضع استراتيجية قوية لحماية أمنه القومي. ولعل هذا ما دفعه إلى جعل «المجلس الأعلى للأمن»، الذي ما زال ينتظر نصه التنظيمي، مؤسسة دستورية بمنطوق الفصل 54 من دستور 2011. ويرأس الملك هذا المجلس باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الملكية. كما تتألف تركيبة هذا المجلس من رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والوزراء المكلفين بالداخلية، والخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، إضافة إلى المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية؛ وهو ما يعني أن المغرب مدرك لأهمية هذا الجدار الأمني الجديد الذي لا تنافس فيه بين مختلف الأجهزة سوى على ضمان أمن واستقرار البلاد والعباد. لقد ظلت «الديستي» و«لادجيد»، كجهازين أمنيين بالغي الأهمية، في طليعة الأجهزة الأخرى التي تسابق نفسها من أجل مطاردة الكثبان المتحركة للإرهاب وتجفيف منابته وملاحقة مقاتليه أينما وجدوا. فـ «لادجيد»، مثلا، يقال عنه إنه ترمومتر الارتعاشات المعادية للمغرب في أي نقطة من العالم. أما «الديستي»، فقد حققت مع مديرها عبد اللطيف الحموشي (الذي استحق أكثر من وسام في إسبانيا وفرنسا، ومن بلاده أيضا)، نجاحات كبيرة، حيث تمكنت من إحكام خطة استباقية فعالة، الأمر الذي مكن من تفكيك العشرات من الخلايا الإرهابية التي كانت تهيء لاعتداءات وأعمال تخريبية. ومع ذلك، فلا يمكن تجاهل العمل الكبير التي تقوم به الأجهزة الأخرى، وعلى رأسها المكاتب العسكرية الخمس وأجهزة الاستعلام التابعة للداخلية أو للأمن الوطني فضلا عن الدرك الملكي ومفتشيات القوات المساعدة وأعوان السلطة، وهي كلها دروع واقية تحمي البلاد والعباد.
تفاصيل أوفى تجدونها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك