منتصر حمادة: اعتداءات فرنسا بأعين أقلام الحكمة

منتصر حمادة: اعتداءات فرنسا بأعين أقلام الحكمة

قلة قليلة من المفكرين والباحثين والإعلاميين الفرنسيين التي اجتهدت فيأخذ مسافة من الاعتداءات الإرهابية التي طالت العاصمة الفرنسية مؤخراً،وهذا أمر ليس هيناً بالمرة، عندما يظهر هذا القلم أو ذاك، أن يأخذ مسافةمن تمرير أي تعليق أو تفاعل، في فورة الغضب الفرنسي، الرسمي والشعبي من هول ما وقع.إدانة الاعتداءات مسألة مبدئية، ولكن قراءة الاعتداءات، لم تكن في نفسالمقامات النقدية والتأملية.

وكما جرى في اعتداءات سابقة، كان علينا انتظار حبة زمنية معينة، قد تستمرلأيام أو أسابيع، حتى نقرأ مقالات نوعية تساعد المتلقي على قراءة الحدث،وتجتهد على الخصوص في الاقتراب أكثر من مقام النماذج التفسيرية المركبةفي معرض قراءة حدث مّا، مع الإقرار بصعوبة الاشتغال في مثل هذه الأحداث وغيرها على تحرير مقالة أو دراسة تنتصر لهذا النموذج المركب من التفسير،وليس النموذج الاختزال من التفسير، على غرار ما هو سائد في العالم بأسره،وليس هنا أو هناك.

في حالة الاعتداءات الباريسية الأخيرة، كانت الغلبة للقراءات السريعة،ومن الصعب أن نقترب من فهم ما جري وما يجري، إذا ارتأينا الرهان فقط علىهذه القراءات، لاعتبارات عدة، أهما غياب المعطيات الكاملة والمعقدة، تلكالمرتبطة بالوقائع، غَلَبَة التفاعل العاطفي، على حساب التأمل النقدي،

وغيرها من الاعتبارات بالطبع.كلما أخذنا مسافة زمنية على الخصوص مما جرى، كلما كانت المقاربة أقرب إلى"الصواب" [إذا صحّ الحديث عن "الصواب" في زمن الفتن التي تمر منهاالإنسانية في العديد من قطاع المعمور)، ويكفي أن القراءات التي تطرقتلواقعة مقتل خالد قلقال في ضواحي مدينة ليون الفرنسية، في شتنبر 1995،تختلف بين في المضامين والقراءات بين حررته أقلام تلك الحقبة وما حررتهأقلام اليوم: هذا غيض من فيض طبعاً.

لنا أن نتخيل طبيعة المقاربات العلمية الرصينة للاعتداءات الأخيرة فيباريس، تلك المتوقعة أن تصدر مثلاً، بعد سنوات أو عقود من الآن.

نقول هذا، أخذاً بعين الاعتبار أن بعض الأقلام الأوروبية الرصينة، لمتتردد في الإدلاء ببعض القراءات النوعية خلال الآونة الأخيرة، نذكر منهاأوليفيه روا، يوغرن هابرماس، إيمانويل طود، أو حتى جيل كيبل، كما عايناذلك في عدة منابر إعلامية، ورقية (مجلات، صحف)، ورقمية.

نبدأ بالأخير مثلاً، جيل كيبل، والذي اشتغل على الظاهرة "الجهادية" فيفرنسا، مباشرة بعد اعتداءات "شارلي إيبدو" في يناير الماضي، وكان منالمفترض أن يصدر له عملاً حول الحدث بعد مرور سنة على هذه الأحداث، أي فييناير القادم، ولكن اعتداءات باريس الأخيرة، عجلت بتقديم النشر قبلالتاريخ المُحدّد.

الرجل توقع نهاية الظاهرة "الجهادية" [هناك] في غضون العام 2000. نحناليوم في 2015، ونعاين عكس ما توقعه، وسبب عودة الظاهرة بقوة حسب كيبل،مرتبط بإخفاق النخبة السياسية الفرنسية في إدماج شباب الجالية المسلمةهناك.

بالنسبة لأوليفيه روا، فقد كان أكثر صراحة في توجيه النقد العلمي لصناعالقرار هناك، معتبراً أن من تورط في اعتداءات باريس، ليسوا من أبناءسوريا، وإنما [هم في نهاية المطاف] فرنسيون، وبالتالي يجب معالجة الأسبابهنا في فرنسا وليس في الخارج.

هذا غيض من فيض، فنحن بالكاد في مرحلة رصد أهم ما يصدر في المجالالتداولي الفرنسي، تفاعلاً مع تطورات الساحة، وما هو مؤكد، أن صناعالقرار هناك في أمس الحاجة لتأمل أصوات الحكمة، ولو من باب الاستشارةالعلمية مع أهل الاختصاص في معرض التفاعل العملي مع هذه التهديدات

والمخاطر والتحديات المُعقدة التي نمر منها جميعاً.