مرّة أخرى سنعود إلى موسوعة غينيس، وسيكتب لنا ضمن صفحاتها «مكسب» جديد على غرار «مكتسبات» سابقة، من طينة «الطاجين» و «قصعة الكسكس»، وذلك بفعل «إنجاز» غير مسبوق في قطاع الصحة سيحسب تاريخيا للوزير الحالي البروفسور الحسين الوردي، ومن خلاله لحكومة بن كيران. هذا القطاع المعتلّ، الذي يعاني من تدبير مختلّ، وأفق عنوانه الشلل، ولوج المغرب باسمه للموسوعة لن يكون من باب الفخر، نتيجة لكشف طبي وإنجاز صحي بعد فترات عجاف من الصبر، وبعد محنٍ ومعاناة للمهنيين والمواطنين لسنوات من الدهر، بل سيكون عنوانا جديدا لمجموعة من عناوين «القهر»، وفضيحة حقوقية بامتياز، لأن الأمر يتعلّق بتسجيل أطول إضراب قطاعي يخوضه الأطباء الداخليون والمقيمون تحت نار الاقتطاع من الأجور!
الأطباء، الذين قرروا أن يغيروا وزراتهم البيضاء بأخرى سوداء، وبعد أن أعياهم الصبر في انتظار تحقيق وزير الصحة لوعوده، وبعد طلبات للحوار ظلت بدون ردّ، خاضوا 3 إضرابات إنذارية، فوقفات احتجاجية ثم مسيرة وطنية، وانخرطوا في إضراب مفتوح لم يكونوا يريدون خوضه، وفقا لما ظلوا يصرحون به ويؤكدونه، ورغم كل هذه الأشكال الاحتجاجية التي تعصف بصحة المواطن في الأول والأخير، لم تتفاعل وزارة الصحة، فما كان منهم إلا أن اتخذوا قرارا بـ «تدويل» مشكلهم وتعميم «الشوهة» الصّحية، فراسلوا منظمة الصحة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والمكتب الدولي للشغل، وهي الهيئات التي تفاعلت وتواصلت في الوقت الذي ظلت الوزارة جامدة؟
بالمقابل اختار وزير الصحة أن يسلك سبلا أخرى للتغطية على جروح قطاع الصحة المتعددة، عوض أن ينكب على معالجة العلّة، وهو البروفسور الخبير بكل تفاصيل الداء وبأشكال العلاج المتوفرة، فأعلن عن جملة من المبادرات، التي للبعض قيمتها وأهميتها، في الوضع الصحي والطبيعي، حتى تكون إجراءات كمالية تتميز بالانسجام لا أن يطبعها النشاز، ومن بينها إطلاق بوابة إلكترونية من أجل تحديد المواعيد بالمستشفيات، وكأن الولوج إلى الشبكة العنكبوتية هو في متناول جميع المواطنين، متناسيا أن عددا منهم لايجد ماء نقيّا صالحا للشرب، ومساكنهم تفتقد للربط بالكهرباء، دون الحديث عن نسبة الأمية ونكتفي فقط بالفقر وغيره من العوامل المفرملة لنجاح خطوة من هذا القبيل، التي ستظل مقتصرة على نخبة، أغلبها وبكل تأكيد لن يطرق أبواب المستشفيات العمومية!
أرقام الهواتف والبوابات الإلكترونية التحسيسية التي أعلن عنها الوردي يوم الأربعاء الأخير، في ندوة صحافية خصصت للترويج لدواء من تصنيع أحد المختبرات، التي استفادت من هذه الحملة الإشهارية، علما بأن الدواء الذي تم تقديمه كـ «معجزة» والذي سيتم تسويقه في المغرب بمبلغ 3 آلاف درهم هو يباع بأقل من هذا السعر في دول مجاورة، تضمنت رقم خدمة هاتفية من أجل التبليغ بالشكاوى، وإذا كانت هذه الخطوة ذات بعد إيجابي، فإنه يحقّ لنا التساؤل إن كان المواطن/المتصل سيجد جوابا شافيا لجملة من الأسئلة الحارقة، حين سيشتكي من موعد يسلم له على بعد سنتين، وهو الذي في أمسّ الحاجة إلى العلاج والإنقاذ، وكيف سيكون الجواب عن تظلمه حين سيُطلب منه إجراء فحص بالسكانير في القطاع الخاص لأنه عاطل، وإجراء التحاليل خارج المستشفى لعدم توفر المفاعلات المخبرية، حين سيطالب باقتناء الأدوية لكونها منعدمة بتلك المؤسسة الصحية، حين لن تمكّنه بطاقة «راميد» سوى من سرير مهترئ، لو استطاع الوصول إليه سبيلا، وقد يقتسمه مع مريض آخر، وحين تزيد روائح المراحيض المختنقة من مستوى اختناق تنفسه، وحين يبحث عن ممرض أو ممرضة لمدّ يد العون له، فلا يجد أحدا لأن الممرض موكول له الإجابة عن احتياجات عدد كبير من المرضى سيتوزع بينهم، أو سيفضل بعضهم التواري أمام حجم الطلب، حين سيصرخ غضبا لإقفال معهد باستور الدارالبيضاء أبوابه في وجهه، وكذلك الأمر بالنسبة لكلية طب الأسنان، لأن المؤسستين معا ترفضان التعامل مع المواطنين المستفيدين من نظام المساعدة الطبية والحاصلين على بطاقة «راميد» التي لا تشفي من مرض. هذه الشكاوى وغيرها هي التي قد تدفع المواطنين إلى الاتصال على أمل إيجاد جواب، فهل سيتأتى لهم ذلك، أم سيأتيهم الرد باردا وتقليديا يتمثل في «لايوجد أي مشترك بالرقم الذي تطلبون»؟
وزير الصحة الذي جنّد طائرات الهيلكوبيتر، لتطير بالمرضى وتنقلهم على عجل إلى المؤسسات الاستشفائية، وهي نفس العجلة التي نصادفها كل يوم وسيارات «الإسعاف»، الفارغة من أي وسيلة لإسعاف المرضى، تمر أمامنا وضجيجها وصخب صافراتها يصمّ الآذان، حتى تصل بسرعة إلى المستشفى، وهناك وبعد وصول المريض/المصاب يترك لساعات في قاعة الانتظار، مادامت هناك طوابير عدة للمرضى الذين ينتظرون دورا قد يصلهم أو قد لا يتحقق، أمام ضعف الموارد البشرية وقلة أو انعدام وسائل التدخل اللوجستيكية، وقد لاتقدم له أي علاجات لأن المستشفى الإقليمي قدرته لاتتجاوز المستوى الثاني، والحال أن وضعية المريض قد تكون مصنّفة ضمن خانة المستوى الثالث، وغيرها من الصعوبات وجملة الاختلالات، التي تجعل من قطاع الصحة، جسدا مثخنا بالجراح، في وقت تغيب فيه المبادرة الفعلية والإجابة عن الأسئلة الحقيقية، مقابل الرفع من نسب وحدّة الإشكالات.