اعتبر عبد الرزاق بوغنبور، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن إقرار المساواة في الإرث بين المرأة والرجل مطلبٌ للحركة النسائية مبنيٌّ على التحولات التي عرفتها أوضاع النساء، خاصة الهشاشة والفقر، خصوصا أن "60 في المائة من النساء اللواتي يتكلفن بالأسر يعشن في وضعية هشة".
وأكد منسق الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، في حوار مع (أسبوعية الوطن الآن)، في عدد هذا الأسبوع، على أن "أحكام الإرث لم تَنْبنِ على تمييز على أساس الجنس، بل بُنيت على بِنيات اجتماعية كان فيها الزوج والأب والأخ يتكفلون بكل نساء العائلة والقبيلة"، وهو ما اختلف الآن بسبب تطور الأسر ولكون النساء أصبحن يشتغلن ويتحملن تكاليف أسر بكاملها.
مشددا على ضرورة التفكير في نظام إرث يستحضر المرجعية الدولية ويطور الخصوصية وفق اجتهاد محكم ينطلق من استحضار الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمرأة والرجل على السواء، وفي نفس الوقت يتجنب مساوئ الإرث لدى الآخر الذي جعله مفتوحا على كل الاحتمالات.
وجرد عبد الرزاق بوغنبور، في الحوار ذاته، بعض الإشكالات التالية المرتبطة بموضوع الإرث والتي ترى العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ضرورة استحضارها لمناقشة الموضوع نوردها كالتالي:
1- لماذا كلما تعلق الأمر بالمرأة نشهر عاليا ونستحضر النصوص الشرعية، في حين تغيب هذه النصوص في قضايا أخرى أين نحن من قطع يد السارق – تحريم الربا - رجم الزاني والزانية وقضايا أخرى كثيرة يعرفها الجميع.
2- بعد مصادقة الدولة المغربية على البروتوكولين الملحقين بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (البروتوكول اﻷول)، والبروتوكول الملحق باتفاقية “سيداو” لمناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة ونشرهما في الجريدة الرسمية مؤخرا، بات ممكنا للنساء المغربيات اللجوء إلى اﻵليات الدولية في حال ما إذا لم تنصفهن المساطر الداخلية فيما يتعلق باﻹرث أو غيره.
3- أين هو دور الفقهاء "المستقلون عن مؤسسات الدولة" في هذا المجال أوليس لهم دور في هذا؟ ولنا في اجتهاد الفقيه ألمقاصدي الزعيم علال الفاسي ما يسهل اﻻنتقال السلس إلى المساواة في اﻹرث، فقد فتح هذا الباب منذ أربعينات القرن الماضي في كتابه “النقد الذاتي”. فاﻹسلام في اﻷصل خطا خطوة جبارة حين أشرك المرأة في اﻹرث في ظروف ذلك الزمان وتقاليده. ولم يكن ممكنا آنذاك تجاوز هذا الحد. فالظروف والتقاليد اليوم غير ما كانت عليه الأمور منذ 14 قرنا. فهناك قوامة للعديد من النساء على الرجال وهن العاملات والمعيلات، واﻹرث كما هو اليوم يلحق ظلما بعدد من النساء ويعرضهن وبناتهن، حين يغيب الذكر (الذي “يُعُصِّبُ”) للمآسي وللتشرد أحيانا، وهذا غير مقبول دينا ودنيا، وﻻ يمكن إنهاؤه إﻻ بالقانون وتكريس المساواة الكاملة في الحقوق المدنية باعتماد المرجعية الدولية لحقوق اﻹنسان في كليتها وكونيتها.
4- إن ما وقع ترتيبه من تفسير لقوله تعالى في سورة "النساء": ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾. يطرح أسئلة مشروعة تفرض نفسها من قبيل: هل الحصة العائدة إلى المرأة، هنا، هي حد أدنى أم حد أعلى؟ ألم تكن الوصية هي الأصل ثم حاد الفقه عن هذا الأصل؟ هل تَمَّ الالتزام، دائمًا، بحرفية النص في قضايا الإرث من طرف كافة الفقهاء المغاربة، في جميع المراحل والظروف، أم تَمَّ الخروج عن ذلك تحت تأثير اعتبارات اجتماعية واقعية؟ ألم يكن الصحابة أنفسهم قد أسسوا لمنهج تقديم المصلحة (في المعاملات) على التفسير الحرفي وبلوروا فكرة "حيثما كانت المصلحة فثمة شرع الله"؟. ومناسبة النقاش الدائر حول قضية المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى أورد اجتهادات لمفكرين حداثيين انكبوا على دراسة الموضوع سنوات طويلة، اعتمادا على التراثي الفقهي بعمق ورصانة وتوصلوا إلى إمكانية التأسيس لفهم متجدد لتنصيص القرآن الكريم على أن ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾. أولهم محمد شحرور: "لقد بحثنا في فصل الحدود موضوع الإرث، وبينا أن آيات الإرث عبارة عن آيات حدودية لا حدية، ولعدم الالتباس قال الله بعدها ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله﴾، حيث أعطى الله للأنثى نصف حصة الذكر حدًا أدنى، وهذا الحد الأدنى في حالة عدم مشاركة المرأة في المسؤولية المالية للأسرة، أما في حالة المشاركة فتنخفض الهوة بين الذكر والأنثى حسب نسبة المشاركة وما تفرضه الظروف التاريخية"
نستخلص من هذا الاستشهاد أن منح الإناث نصف حصة الذكر من الإرث، في حالات محددة، إنما هو حد أدنى فقط، بمعنى أنه لا يمكن النزول عنه، لكن يمكن تجاوزه، وذلك بناء على بحث مفصل مَيَّزَ فيه ذ. شحرور بين الآيات الحدية والآيات الحدودية واعتبر آيات الإرث مندرجة ضمن هذا النوع الثاني؛ ثم إن رفع حصة الأنثى يخضع لمتغير المشاركة الفعلية للمرأة في الإنفاق على الأسرة ولما يمليه تطور الشروط التاريخية.
الرأي الثاني للأستاذ الحسن رحو، أستاذ علم المواريث بكلية الحقوق – جامعة محمد الخامس والذي يشير إلى أنه " من المشروع (..) رفع تهمة اللامساواة في أحكام الإرث التي تلصق بالمسلمين بمناسبة أو بدون مناسبة، وذلك بأحد توجهين، وشخصيا اخترت الثاني لنجاعته: يؤكد الأستاذ رحو أن الأصل في القرآن الكريم، بالنسبة إلى الإرث، حسب الكثيرين، هو الوصية؛ أما القواعد المعروفة فإنما وُضعت لكي يقع اللجوء إليها، احتياطًا، في غياب الوصية. وأن الأغلبية الساحقة لتلك القواعد تدخل في باب تشريع الناس للناس وليس في باب تشريع الله للناس، ولكنها، مع مرور الوقت، فُهِمَت على أنها تدخل في الباب الثاني. وبالتالي أتساءل مع الأستاذين معا : هـل يمكن حل الإشكال بواسطة العودة إلى اعتماد الوصية كأصل؟ وهذا فعلا يحتاج إلى نقاش.
5- بالرجوع إلى الفصل 161 من الدستور و المنظم للمجلس الوطني لحقوق الإنسان نجد أنه حدد وظائفه ومهامه و أهدافه، لكنه وضع ضوابط واضحة لعمله.. ويلاحظ أن الفصل الذي عدد مهام المجلس وأهدافه ووظائفه ختم بوضع نِطاق واضح لعمله، وجعل ذلك النطاق في ”الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال”. فهل احترم المجلس تلك المرجعيات؟
6- إذا علمنا أن هذا المجلس يتكون من ممثلي قطاعات حكومية وازنة بالإضافة إلى ممثلي المؤسسة الدينية الرسمية ، كيف أمكن السماح لهذه التوصية أن ترى النور؟ وهل يعني خروجها للعلن موافقة مبدئية للدولة، أم أنها بالون اختبار لا غير.