محمد أديب السلاوي: حتى لا نبقـــى خـــارج التـــاريخ

محمد أديب السلاوي: حتى لا نبقـــى خـــارج التـــاريخ

قطع المغرب حتى الآن، عقدا ونصف من الألفية الثالثة، إذ ينتظر الدخول قريبا إلى السنة السادسة عشرة من هذه الألفية، التي جاءت بإكراهات ومتطلبات هامة وخطيرة، من أجل الانخراط في العولمة والحداثة والزمن الحضاري الحديث، وهو ما يفرض علينا أكثر من أي زمن مضى، تكثيف الجهود في مجال الإصلاحات الاقتصادية والتربوية والثقافية والسياسية، التي تؤهلنا إلى التموقع اللائق على خريطة الألفية الثالثة، ومغادرة حلبة الفساد والتخلف والوهم والديماغوجية والسفسطة التي أغرقتنا في بحورها، والاندماج في النظام العالمي الجديد، وإقامة مجتمع مدني قوامه الإصلاح الذي ينقلنا إلى معاصرة الألفية الثالثة، وشروطها الموضوعية، وهو ما يتطلب منا توفير الآليات الضرورية لذلك، وهي ثلاثة، نتوقف عندها سريعا لتحديد موقعنا على ساحة الزمن الراهن، وما تتطلبه منا هذه الساحة من إصلاحات للاندماج في تضاريسها الحضارية.

1/- اقتصاديا : يرى العديد من الخبراء، أن السياسات الاقتصادية المطلوبة لتحقيق تنمية مستدامة أكيدة لمغرب اليوم، عليها أولا وقبل كل شيء، تصحيح واستقراء الأوضاع الاقتصادية واختيار النموذج المناسب لاستيعاب اليد العاطلة / العقول المتعطلة / الخريجين الجدد، إضافة إلى تخفيض عجز الميزانية، وتحرير التجارة، وتطوير البنية المالية الفعالة، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية في نطاق المشروعات المشتركة، وهي الركائز الأساسية لما يمكن أن نطلق عليه في المغرب الراهن سياسة اقتصادية، إلا أن مكونات أخرى يجب أن لا تغيب عن هذه السياسة، أهمها في نظر الخبراء، تغيير دور الدولة من لاعب مباشر في الاقتصاد إلى دور الحكم / المراقب، وتقوية وتفعيل دور القطاع الخاص لتكوين مجتمع اقتصادي وتنمية الموارد البشرية، وهو ما يدعو الحكومة / الحكومات القادمة إلى التركيز على توفير البيئة الاقتصادية المستقرة، وتقليص البيروقراطية القائمة، والقضاء على الفساد الذي أصبح ينخر كل زوايا وقطاعات الاقتصاد والمالية في المغرب الراهن. ولتحقيق نمو اقتصادي حقيقي، على حكومة / حكومات المغرب القادمة، أن تجعل النواحي الاقتصادية، محط اهتمام المواطنين ومحور تفكيرهم واهتمامهم، في التعليم والإعلام والحياة العامة.

وإذا كان العالم المحيط بنا قد اشتغل خلال العقدين الماضيين، بما هو أرقى، فإن بلادنا ما زالت غارقة مع الأسف مع الفقر والفساد والهشاشة والأمية والجريمة والإدمان، وما ينتج عن ذلك من عطالة وأمراض وتدهور اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي، وهو ما يطرح علينا جميعا التفكير في سبيل تجاوزها وإعادة النظر في مفاهيمها، والقيام بنقد ذاتي لساسياتنا الاقتصادية وقيمنا وشعاراتنا التي أوصلتنا إلى الوضع الراهن الذي أصبح لا يطاق، لا شكلا ولا مضمونا.

2/- تربويا : يرى العديد من رجالات التربية والتعليم بالمغرب الراهن، أن النظام التعليمي يجب أن يرسخ أولا وقبل كل شيء القيم والممارسات التي تزيد الولاء للوطن في نفوس الناشئة الصاعدة.

ويرى خبراء التربية والتعليم، أن المميزات التنافسية للمغرب، أصبحت تعتمد على مدى تنمية القدرات البشرية أكثر من اعتمادها على أي موارد أخرى، ذلك لأن عالم الألفية الثالثة أصبح يرتكز على القيم الوطنية / على المعرفة / على الإلمام بالتكنولوجيا التي تتطلبها أسواق العمل المتطورة / وعلى الإلمام باللغات الحية.

يعني ذلك بوضوح، أننا في المغرب الراهن، أصبحنا في حاجة ماسة إلى تطوير مهارات تلاميذ مدارسنا الأساسية / تطوير مهارات طلاب تعليمنا الثانوي والتقني والجامعي، لكي تصبح أجيالنا الصاعدة خلاقة، مبدعة، قادرة على الحوار والنقاش والتحليل والتفكير المستقل العميق.

يعني ذلك أيضا، أن تعليمنا لا بد له أن يدرك بسرعة، أن هذه الألفية لم تعد في حاجة إلى مهارات الهدم والبناء، إنها الألفية ما بعد الحداثة / ما بعد الكهرباء وضوء المصباح / ما بعد التكنولوجية. إنها في حاجة إلى زخم الحواسيب والإعلام الآلي وآليات السرعة الصوتية والضوئية / آليات بناء المستوطنات الفضائية / إنها في حاجة إلى بناء إنسان جديد، قادر على التحدي... وعلى المشاركة في بناء العالم الجديد.

تقول تقارير العلماء، أن الكومبيوتر سيصبح ارتداؤه على الجسم خلال القرن 21 ممكنا، وان الإنسان المتعلم يمكنه الاتصال به على غرار الهاتف، وأن العالم خلال هذا القرن سيدخل عصر الهدروجين الذي ستنتشر فيه تطبيقات خلايا الوقود، لذلك يشير الخبراء إلى التعليم المتواصل، قد أصبح مبدأ رئيسيا للازدهار والنهضة في العصر الجديد، فهو المدخل الأساسي للعلم / للعولمة / للنمو / لابتكار القيم الجديدة / للتواصل عبر الشبكات / لدعم الثقة بالنفس.

وتقول تقارير العلماء، أن العالم يتجه إلى خلق " عقل عالمي" قائم على التكنولوجيا التي تحيط بالإنسان من كل جانب وهذا العقل سيكون وحده المساعد للبشرية على التطور والبقاء في عالم بلا حدود.

لذلك يمكن القول بصراحة ووضوح، أن المدارس العاجزة في تجهيز الناشئة بالمهارات المتلائمة مع متطلبات الزمن الراهن / متطلبات العالم الجديد، لمواجهة المستقبل، تعتبر فاشلة، وتعمل على تخريج الأميين والعاطلين والعاملين ضد التنمية والتطور الحضاري للبلاد / العاملة على محاصرتها في فضاءات التخلف والتراجع والفقر والتسول الحضاري.

3/- ثقافيا : بدون شك تعتبر الثقافة دعامة أساسية للإصلاح والتغيير والتنمية الشاملة، وذلك باعتبار انعكاساتها الايجابية على مقومات الدولة والمواطن، إذ هي واحدة من الأدوات الأساسية لمواجهة تحديات الفساد والتخلف...ولمواكبة التقدم والنمو.

ويرى الخبراء في الشأن الثقافي، أن وضعية المغرب الراهن، تضع على المثقفين والمفكرين والفنانين مسؤولية التصحيح والإصلاح، لوضع البلاد على عتبة الألفية الثالثة بكل شروطها ومتطلباتها، ذلك لأن أباطرة السياسة والسلطة يؤكدون باستمرار عدم قدرتهم تحمل هذه المسؤولية في الوقت الراهن.

أن نضج الفكر السياسي والممارسة السياسية بالمغرب خلال المائة الأخيرة من الألفية الثانية (1900-2000) مدين للمفكرين الذين حاربوا القوى الاستعمارية الفرنسية والاسبانية والدولية، وحصلوا على استقلال البلاد.

إن علال الفسي، ومحمد بلحسن الوزاني، ومحمد العربي العلوي، والمهدي بن بركة، وعبد الخالق الطريس، والمكي الناصري، وعبد الهادي بوطالب والمهدي المنجرة وغيرهم من مثقفي الأجيال السابقة، باعتبارهم نخبة واعية، مؤمنة، مناضلة، ناضلوا من أجل الاستقلال، وخطاباتهم السياسية وضعت الشعب أساسا للسلطة وللنضال وجردت السلطات من مفاهيم الإقطاع، لتحقيق التغيير، إذ كانوا وراء مفهوم الدولة بكل مقوماتها القانونية والوطنية والشعبية والدستورية، كما كانوا وراء مفهوم الشعب بكل حقوقه الإنسانية والتربوية والدستورية...

لذلك يرى العديد من الدارسين والخبراء، أن ولوج الألفية الثالثة، لا يمكن أن يتحقق بالعمل السياسي وحده، ولكن أيضا بالعمل الثقافي القائم على العلم والمعرفة وقيم النضال والانفتاح على مقتضيات الألفية الثالثة.

إن انخراط المثقفين في هذا المسار، لا يعني إلغاء دور السياسات الثقافية، أن مهام وزارة الشؤون الثقافية في هذه المسار يجب أن لا تنحصر في تدبير الشأن الثقافي والفني ودعم الكتاب والفنون والحفاظ على التراث الثقافي وصيانة المآثر التاريخية وتنمية العمل الثقافي بالأساليب والسياسات التقليدية، بل عليها إعداد تصورات متكاملة للانخراط في الفضاء العالمي الجديد، وتأمين الانتقال الثقافي إلى رحاب هذه الألفية مع ما يرتبط بها من مؤشرات تهم تحديات الحداثة والعولمة، وتكوين الأطر العالمة في مجالات الفنون التشكيلية والمسرح والسينما والموسيقى وعلوم الآثار لهذه الغاية.

السؤال الذي بطرح نفسه بحدة في حالتنا المزرية : كيف لمغرب اليوم الذي يعاني من ويلات الفساد والتخلف والبؤس الاجتماعي على كل الأصعدة وفي كل المجالات والميادين، أن يحقق النقلة المطلوبة للانخراط في منظومة الألفية الثالثة.

في واقع الأمر، من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن مع ذلك، الموضوع يحتاج منا وقفات متعددة، / يتطلب منا نقد ذاتي، لنجعل منه قضيتنا الأساسية في الزمن الراهن، حتى لا نبقى خارج التاريخ.