إن ما وقع من احتجاج الأسبوع الماضي من طرف رجال الأمن بمدينة طنجة، ليدعو كبار المسؤولين في الدولة إلى وقفة تأمل وأخذ العبر من هذا الحادث، لأن ذلك يعد سابقة بالمغرب، فما يعادل 600 رجل أمن وقفوا للاحتجاج ميدانيا أمام أعين المواطنين، ليس بالأمر الهين.
صحيح أن هؤلاء الموظفين ارتكبوا خطأ مهنيا جسيما، لأن القانون المغربي لا يسمح لحملة السلاح بالتجمهر أو ما شابه ذلك من طرق احتجاجية، كما أن القانون الأساسي لموظفي الأمن الوطني جاء صريحا من خلال المادة 12 حيث يمنع الانتماء الحزبي والنقابي على رجاله ويدعوهم إلى الالتزام بقواعد الانضباط.
بغض النظر عن مخالفة هؤلاء الموظفين لقواعد الانضباط، وارتكابهم خطأ مهنيا جسيما، يجب طرح الأسئلة التالية: ما هو السبب الذي جعل هؤلاء الموظفين يحتجون؟ ولماذا لم يتخذوا السبل الإدارية التي خولها لهم القانون في إيصال تظلماتهم؟ وهل رجال الأمن يجهلون القانون الأساسي المطبق عليهم وهم رجال "تطبيق القانون"؟ وكيف لعدد كبير ناهز 600 رجل أمن أن يتحدوا في مثل هكذا احتجاج؟
أسئلة عديدة، لكن أجوبة جلها واضحة، إن رجال الأمن المحتجين لم يخرجوا للاحتجاج عن فراغ، فهم يعلمون جيدا أن في انتظارهم عقوبات تأديبية أدناها 'إنذار' ستؤثر لا محالة على مسارهم المهني، لا شك أنهم آمنوا جيدا أن التظلم الإداري لن يجدي نفعا في طلباتهم، وتأكدوا أنهم تحملوا أعباء فوق طاقاتهم تجعلهم يخرجون عن صمتهم، مما يقودهم إلى اتخاذ سلوكات غير مرغوب بها في المجتمع، وهذا هو الخطير في الأمر، فمن سيقوم بتأطير هؤلاء الموظفين وهم من تعهد إليهم مهمة تأمين مختلف المسيرات والوقفات الاحتجاجية؟
بدلا من الاكتفاء بالعقوبات التأديبية في حق المحتجين، يجب معالجة هذه الأمور من جذورها، للتأكد من عدم تكرارها مرة أخرى، والتحضير لسيناريوهات محتملة يمكن أن تقود بلادنا إلى ما لا يحمد عقباه إذا لم تواجه بحلول واقعية وديموقراطية، فالحالات كثيرة ومتكررة ومحتمل جدا أن لا تكون الأخيرة.
هنا يبرز دور التأطير النقابي، وفائدته في توحيد الأفكار واتخاذ قرارات حكيمة بعيدا عن التعصب والتسرع، فالنقابة تلعب دورا حيويا كأداة لاحتواء مشاكل الموظفين والتعبير عنها وإيصالها إلى المسؤولين لإيجاد حلول واقعية للعراقيل والصعوبات التي يتخبط فيها الموظفون، والتي لم تفلح القنوات الإدارية عموما في تجاوزها سهوا أو عمدا. وهذا يجعلنا نفتح موضوعا لطالما أشارت إليه النقابات في ملفاتها المطلبية وهو الدعوة إلى المصادقة على الاتفاقية 87 الخاصةبـ "الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي"، وبالتالي تمكين الأجهزة الأمنية من حق الانتماء النقابي وإفراز قوانين واضحة وصريحة تؤطر هذه العملية لتجعل المغرب متناغما مع المسار الحقوقي الذي يسير فيه السنوات الأخيرة، ولما لا الاستفادة من تجربة دولتي فرنسا وتونس والتي سبقتنا لهذا الأمر حيث جعلت من النقابات شريكا لها في تخليق فضاءات الأجهزة الأمنية ومساهما في خلق التوازن بين كل ما هو أمني وحقوقي، وليس اعتبارها عنصرا مشوشا عليها وعلى استراتيجياتها.