أضحت الدبلوماسية الشعبية (people-to-people diplomacy) آلية موازية للدبلوماسية الرسمية تعول عليها الدول للتأثير على صناع القرار السياسي والاقتصادي في الدول المستهدفة عبر إنشاء المراكز الثقافية والتبادل الثقافي وخلق جسور للتوصل بين شعوب البلدان بناء على خطة مدروسة تتوخى الترويج للأطروحات والقضايا التي تهم هذه الدول. وما المنح الدراسية التي تتفضل بها الدول سوى وسيلة من الوسائل التي تلجأ إليها لتجميل صورها وإظهارها بحلة خيرية تفضليه لكسب ود الشعوب والتأثير في نخب المستقبل.وهناك عدة وسائل تلجأ لها الدول للتأثير في الرأي العام الأجنبي كالإعلام وخلق شبكة من العلاقات مع الفاعلين بهذه البلدان واستمالة النخب إلى التهديد أحيانا بالمقاطعة؛ مما يحتم على الدول الاجتهاد في كسب ود الرأي العام الداخلي والخارجي أمام حدة المنافسة و التأثيرات المتباينة لهذه الأطروحات المتصارعة.
ويكمن التحدي الأول في تأمين الجبهة الداخلية ضد كل اختراق إيديولوجي من شأنه أن يفتت اللحمة الشعبية. وكذلك إقناع الرأي العام الداخلي بالاختيارات الإستراتيجية للدولة القومية و تعبئته للدفاع عنها.إنه تحد صعب وشاق و يتطلب تضافر كافة الجهود في سبيل الحفاظ على مقومات وخصائص الدولة الوطنية.أما التحدي الثاني فيشمل العمل على قيام علاقات وطيدة بين الدول وخلق جسور للتعاون و التواصل وخدمة المصالح الإستراتيجية السياسية و الاقتصادية. وبالنظر إلى التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية الصحراء المغربية يلاحظ أن الطرف المناوئ للمغرب كاد أن يقنع الحكومة السويدية بالاعتراف رسميا بالكيان الوهمي. و استطاعت جبهة المرتزقة في غفلة من النخب المغربية غير الرسمية التأثير على الفاعل السياسي و نفس الهدف تسعى إلى تحقيقه في أستراليا حاليا مما يستدعي التصدي بحزم إلى كل المحاولات الرامية إلى النيل من الوحدة الترابية للمغرب.
ولسوء الحظ تمحور النقاش السياسي والعمومي في السنتين الأخيرتين حول الحياة الشخصية للسياسيين والحياة الحزبية و تم إهمال الحديث عن البحث عن حلول لحث الدول التي لم تتخلى بعض عن اعترافاتها بهذا الكيان المزعوم إلى نزعها وتجريده من كل اعتراف دولي. لقد تخلت العديد من الدول عن اعترافاتها بمرتزقة البوليساريو وكان أخرها دولتي موريس والبرغواي ولا زالت أربعة و ثلاثون دولة تعترف بهم أهمها: نيجيريا و المكسيك و لأروغواي وجنوب إفريقيا(المصدر ويكبيديا) . وأمام هذه الوضعية لا يسع المغاربة سوى التجند كافة في إقناع شعوب هذه الدول للعدول عن اعترافاتها وذلك عبر بوابة الدبلوماسية الشعبية للضغط على صانع القرار الأجنبي وتهيئ الأجواء للجهات الرسمية المغربية للتفاوض بكل أريحية في سبيل الوحدة الترابية المغربية.
وقبل بلوغ هذا الهدف الوطني، ينبغي تقييم أداء الدبلوماسية العمومية في الآونة الأخيرة وجعلها أكثر نجاعة.وما يلاحظ أن العديد من الجمعيات و الهيئات كانت قد تأسست للدفاع عن قضية الصحراء بمبادرة من أصحابها وهذا عمل جليل ينبغي الاعتزاز به، بيد أنه يلاحظ أن الأداء الدبلوماسي الحزبي كان ضعيفا واقتصر على مبادرات فردية لبعض السياسيين؛ مما يفرض علينا خلق مؤسسات حزبية تعنى بالقضية الوطنية تعمل وفق خطة وطنية. وكذلك تعبئة مناضلي الأحزاب لانخراط في مشروع الدبلوماسية الشعبية الذي يعمل على استهداف الرأي العام في كل الدول التي لا تزال تعترف بالكيان المزعوم والدول الأخرى التي تنشط فيها هذه العناصر.فالظرفية الحالية تحتم على المغرب إنشاء وكالة أو مؤسسة وطنية حكومية تعنى بقضية الصحراء المغربية هدفها تجميع كافة الجهود و الهيئات و الجمعيات و المتطوعين والغيورين لبلورة خطة وطنية لمحاربة هذا الكيان المزعوم أينما حل و ارتحل.و يكون كذلك الهدف من إنشاءها التوغل وسط فئات الشعب المغربي و تحسسيهم بأهمية التصدي إلى هذا العدو الغاشم.
وينبغي كذلك على المغرب الاستفادة من التفوق العددي وتوظيفه عل أكمل وجه حتى يتمكن المغاربة من خلق شبكات من العلاقات مع مواطني هذه البلدان. ولن يتحقق ذلك إلى بالانخراط كافة في هذا المشروع الوطني كل من موقعه و هو خير تعبير عن الوطنية الصادقة وحان الوقت أن نرد الجميل للوطن الذي صرف علينا وعلمنا.وبانخراطنا كافة في هذا المشروع سنحقق غاية ثمينة ألا وهي الحفاظ على الوحدة الترابية للوطن وإرساء أسس التضامن والتعاون بيننا في القضايا المصيرية. فالكل مطالب بالتواصل مع شعوب هذه البلدان وشرح موقف المغرب ومقترح الحكم الذاتي حتى تتغير النظرة إلى هذا الصراع.