لم يضمدوا بعد الجراح التي سببتها رافعة ملعونة أودت بحياة العشرات منهم حتى كانوا من جديد مع موعد اخر مع الموت أشد رعبا وإيلاما ... في عز عيد الأضحى سقط مئات الحجاج كالذباب. أكوام من الجثث توحي لمن لم يسمع بالقصة أنها لضحايا قصف بالأسلحة الكيماوية ... مشهد تقشعر له الأبدان حقا... الحجاج الذين تركوا أهلهم وديارهم و تكبدوا المشاق وقطعوا الاف الكيلومترات ليصلوا إلى هذه البقاع التي أحبوها وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة مباشرة مع الموت .
أن يسقط بعض الأشخاص ضحايا لواقعة مثل هد يكون عاديا في تجمع بشري هائل ، لكن أن يسقط ألف ضحية في لحظات ودون وجود سبب طبيعي ظاهر ففي ذلك أدلة دامغة على وجود أخطاء بشرية قاتلة كانت وراء حدوث المأساة . وحتى يكتمل المشهد أعلنت السلطات السعودية عزمها إعدام 28مسؤولا أمنيا كانوا حسب زعمها وراء وقوع الفاجعة . علما أن تجريم الأشخاص والإقتصاص منهم لا يكون في الدول الديموقراطية إلا بعد فتح تحقيق قضائي مستقل ونزيه لتحديد المسؤوليات . عندما سقطت الرافعة على رؤوس الحجاج سارع المسؤولون السعوديون إلى تبرئة أنفسهم وعزوا ذلك إلى القدر ، وهاهم مجددا ينأون بأنفسهم عن المسؤولية ويجبرون الصغار على تحمل أخطاء الكبار ، ويقدمونهم أكباش فداء رخيصة . أنا أتهم مقال بليغ كتبه إميل زولا قبل أكثر من قرنين دفاعا عن مواطنه اليهودي درايفوس متحديا كل الأخطار في زمن لم تكن فيه الديموقراطية الفرنسية قد تقوى عودها بعد .موقف أخلاقي نادر وشجاع سجله التاريخ ليكون قدوة في نصرة الأبرياء والدفاع عنهم ولو كلف ذلك غاليا . نحتاج لمن يصرح في وجه المسؤولين السعوديين ويظهر لهم أن الرافعة بريئة من دم الحجاج براءة الذئب من دم يوسف ، وأن الحجاج ليسوا أكباشا حتى يتناطحوا ويقتل بعضهم بعضا بلا رحمة ولا شفقة . الحجاج شكلوا على مر الزمن مصدر دخل مهم للدولة السعودية ،لمساهمتهم في ترويج قطاعات الفندقة والتجارة ...وهم صمام أمان الإقتصاد السعودي في ظل التراجع المهول في أسعار النفط الذي بات يهدد الأمن القومي للدول البترولية .
الحجاج يقصدون مكانا له قيمة دينية ودلالة رمزية كبيرة في نفوسهم . لذلك من حقهم أن ينعموا بالأمن الجسدي والنفسي ، وعلى الدولة السعودية توفير كافة الوسائل والإمكانات لتهيئة الظروف المناسبة لهم طيلة فترة الحج .وعليها أيضا إنصافهم و إعادة الإعتبار لهم عندما تنتهك كرامتهم وتسلب حقوقهم .