"لا أحد يقبل أن يتم تسليع كل السلوكات و الأذواق".
هكذا تحدث (ن.س)، الإطار البنكي الذي ذهب مساء الأحد 20 شتنبر 2015 في حدود الساعة التاسعة نحو مطعم "لو جافا" (le java) بشارع عبد اللطيف بنقدوربمدينة الدار البيضاء، مصحوبا بحقيبة بلاستيكية تضم حزمة جرائد اقتناها من ملتقى شارعي الزرقطوني-الروداني من أجل تصفحها إلى حين وصول زميل له. كان الإطار يتصور كل شيء سوى أن يتم إيقافه عند باب المطعم بتهمة ارتكاب المحظور الذي لم يكن سوى حزمة الجرائد، تماما كما لو كنا نعيش حالة حذر زمن الحماية، أو زمن سنوات الرصاص.
قال الرجل: لماذ المنع ؟
قال المانعون: هذا مكان لاقتسام المتعة بلا حدود ، وليس للمطالعة.
وفيما كان الرجل يحاول فك رموز هذه الكلمات، كان باب المطعم يكدس بالزبناء، بفتيات الليل الممتد.
قال الرجل: ربما هناك خلل ما، هذه جرائد وليست قنابل أو حشيش أو كوكايين؟
أصر "الفيدور" على عدم إدخال الجرائد –القنابل. وأصر الزبون على رؤية صاحب المحل. فحضرت المسؤولة على إدارة المطعم وزكت موقف " الفيدور" ورفضت دخول الزبون إلا إذا ترك حقيبته البلاستيكية المحملة بالصحف. ولما هم الإطار الاتصال بالبوليس، قالت له مسيرة المطعم وهي واثقة بمن يحميها: " غوت على البوليس وللي فوق البوليس".
دخل الزبون في مشاداة مع المسؤولة و"فيدورها"، وانسحب دون المناداة على البوليس، بالنظر إلى أن البوليس بالمغرب "لا يحضر إلا إذا سال الدم"، فأحرى أن يأتي لتحرير محضر يخص حرمان مواطن من ارتياد مكان عمومي ب" تهمة حمل الجرائد".
وتساءل : كيف تتحول قيمة المحظور؟
كيف تصبح المعرفة بالمغرب تهمة في مقام الترصد وسبق الإصرار؟ وكيف تصبح بعض المطاعم والحانات "فاتيكانات" وسط المغرب تحلل ما تشاء وتحرم ماتشاء، وكيف تتحول بعض مطاعم وحانات الدارالبيضاء إلى مواخير في عهد "القطب المالي".
ذلك أن الأمر يتعلق :
- أولا بمكان عمومي،
- وثانيا بجرائد وطنية مرخص لها طرف السلطات العمومية، وتوزع أمام الرأي العام .
- وثالثا بحمالات أخبار ومعرفة لإشاعة التنوير ، ولدعم فكر المواطنة ، على اعتبار أن المجتمعات لا يمكن أن ترتقي بلا صحافة التي هي مرآة المجتمع، وضميره الحي .
فكر الرجل في الأمر.
هل يتشبت باستدعاء ممثلي السلطات العمومية لحماية الحق في حمل الجرائد الوطنية؟
هل يعلن العصيان المدني احتجاجا على نازلة أن يتحول حمل الجرائد إلى اتهام ؟
أم ينسحب لحماية حقه الآمن في الوجود، ربما قد تحتد أظافر " الفيدورات " لتنزل به أشد العقاب؟
حين نقل صاحبنا هذا الخبر إلى زملائه ، بدوا ساخرين منه.
أحدهم قال إنه كان ضحية مماثلة. فلقد منعوه بأحد المطاعم العمومية من فتح الحاسوب بشارع محمد الخامس، فيما تفتح العاهرات شرفهن أمام الملأ.
ثان قال إن الأمر يتعلق بتحول المجتمع إلى "البورديل".
فهل نستسلم إلى غواية السوق وغرائز الشناقة ؟
هل نتحول جميعا إلى شعب القوادين والعاهرات حتى يرضى عنه مجتمع السوق؟
أسئلة لا بد من طرحها من أجل حماية القراءة والصحافة والحق في الخبر والمعلومة، والحق الحيوي في أن نتمرد ضد الابتذال، اللهم إذا كانت الدولة المغربية قد رخصت لمطعم "جافا" le java بأن يتحول إلى "حانة للمثليين ومدمني القرقوبي والكوكايين"؟
وفي هذه الحالة على من يود ارتياد مطعم "جافا" بالعاصمة الاقتصادية أن يصحب معه " قوادة وجوان وبلاكة ديال القرقوبي". ولم الخوف، مادام مطعم جافا على بعد بضع خطوات من منزل والي البيضاء، ممثل الدولة المفروض أن ينتفض ضد تعطيل القانون بهذا المطعم الذي يريد مسؤولوه أن يحولوا المدينة إلى بورديل!