هل يمكننا الحديث اليوم عن إعادة النظر في توقيت وبرمجة إجراء انتخابات الجماعات المحلية من أجل نجاعة العملية السياسية؟ وهل يصح إجراء انتخابات الجماعات المحلية على أساس جهوي في فترات متباعدة؟
حاليا مازالت الحياة السياسية المغربية لم ترق بعد إلى درجة الاعتماد على البرامج الانتخابية الدقيقة عوض الدعاية المبنية على الأسس العاطفية والانتهازية والعقابية المحضة. واقع الحال يظهر أننا ما زلنا نتقوقع في المرحلة الانتقالية والتي يمكن أن نسميها بالمرحلة الأخلاقية، وهذا ليس عين العملية السياسية لأن الخطاب الحقيقي هو الذي يعتمد على تقديم حلول واقتراحات واقعية لصالح كل دائرة وجهة.
أضف إلى ذلك مسألة الجمع بين الوظائف السياسية والمهنية. وإن كان لدى بعض رؤساء الجماعات وعمداء المدن ورؤساء الجهات الكرامة وحس المسؤولية الأخلاقية، فليسارعوا إلى تقديم استقالاتهم فورا من إحدى الوظائف العمومية والاكتفاء بتسيير الجماعات المحلية. أتساءل ويتساءل معي العديد من الشرفاء في حالة ما كانت الجماعة أو المدينة ملكا شخصيا لهذا المسير، فهل سيقبل أن يديرها شخص يشغل وظيفتين أو أكثر أو أن الملك العام مستباح؟ وإذا كان على كل موظف أن يعمل على الأقل ثماني ساعات في اليوم، وخاصة إن كان يشغل وظيفة سامية، فكيف له أن يسير الجماعة والمدينة والجهة وأن يقضي ثماني ساعات أخرى في خدمة وظيفة معينة، وكيف له أن يطالع ما هو جديد في الميدان الذي يعمل فيه؟ هذا إن كان الفرد مسؤولا عن قطاعين.. وماذا عن الجمع بين ثلاث أو أربع مسؤوليات؟ أليس هذا أكل أموال الناس بالباطل؟ فكفى من ابتزاز الدولة المغربية واستغلالها تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار، فالمغرب مستقر آمن بفضل الله تعالى وفضل جلالة الملك، وما على السياسيين سوى العمل بجد والتخلي عن التمنن على المغرب.
ويحضرني في هذا المقام أحد المرشحين الذي يعمل مدرسا ويتغيب عن العمل، وذلك بتقديم الشواهد الطبية وما لغيابه من تأثير سلبي على المنظومة التربوية المغربية.
إن البرمجة الحالية لانتخابات الجماعية تجعل من هذا الاستحقاق والعرس الديمقراطي حدثا للصراع والصدام بين الفاعلين السياسيين في الغياب الحديث عن البرامج الحزبية الدقيقة. ولتجنب كل انزلاق انتخابي يستحسن إجراء انتخابات الجماعات في فترات متباعدة حتى يتم تركيز الأنظار على كل جهة على حدة والتفكير مليا في كيفية النهوض بها والاستفادة كذلك من النقاش العمومي والسياسي بخصوص البرامج الحزبية، ويتسنى كذلك للمديرية الوطنية للبرامج الحزبية، التي نتطلع إلى إنشائها، في التمعن في البرامج التي يتقدم بها كل حزب للانتخابات والتي ينبغي أن تكون ثلاثية الأبعاد: الجماعة والمدينة والجهة. وإذا كان القانون رقم 59.11 يحدد مدة انتداب أعضاء مجالس الجهات وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء المجالس الجماعية وأعضاء مجالس المقاطعات في مدة ست سنوات، والمغرب حاليا يتوفر على اثنتا عشر جهة، فقد يتم تنظيم هذه الانتخابات جهويا كل ستة أشهر حتى يتم تخفيف الأعباء على السلطات المختصة وتجنب إرهاقها، وكذلك ضبط كل السلوكيات المنحرفة المصاحبة للعملية وتفادي العنف واختطاف المترشحين.
زد على ذلك منطق التحالف الانتخابي المتبع عاليا المبني على المرجعية الفكرية وليس المصلحة الجهوية. ويمكننا القول أننا لم نصل بعد إلى درجة وعي متقدمة تجعلنا نفصل ما بين ما هو إيديولوجي محض وما هو خدماتي نفعي. لقد تمت قراءة نتائج الانتخابات، مع الأسف، قراءة إيديولوجية وهذا يتعارض كليا مع منطق انتخابات الجماعات المحلية الداعي إلى التركيز على جودة الخدمات التي ستقدمها هذه الإدارات إلى المواطن المتعطش إلى إنجازات ملموسة، عكس تصوير الاستحقاقات بأنها معارك إيديولوجية حتى نتفادى كل الشوائب التي صاحبت الانتخابات الأخيرة وقطع الطريق على أعداء الوطن لزرع الشك والفتنة في نفوس السذج.
وفي غياب إنشاء المديرية الوطنية للبرامج الحزبية التي سيعهد لها إنشاء الله بتقييم البرامج الحزبية والمصادقة عليها قبل فترة الترشيح، ستبقى الممارسة الحالية قاصرة بعيدة كل البعد عن المنطق السياسي الخاص بانتخابات الجماعات المحلية حتى يتم التأسيس لثقافة ربط المسؤولية بمحاسبة البرامج الانتخابية التي تتقدم بها الأحزاب السياسية في كل جهة، وآنذاك سنرى من الحزب القادر على التسيير بكفء عوض الدفع بمرشحين غير متفرغين يعتمدون على الارتجالية في التسيير عوض الاستعانة ببرامج واقعية مضبوطة بفترة الانتداب وحتى يتسنى للمواطن الانتفاع من الانجازات المحتملة.
فالسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: ماذا ستفعل إن صوت عليك وليس من أنت؟