بنكيران يبني "دولة أردوغان" في مملكة محمد السادس

بنكيران يبني "دولة أردوغان" في مملكة محمد السادس

إذا أسقطنا الجيش والعلماء والبوليس، نجد أن عبد الإلاه بنكيران سيؤرخ كأول مسؤول حزبي في تاريخ المغرب يبسط هيمنته على المغرب. فرغم أنه كان رئيس حكومة مسنودا بأغلبية برلمانية مريحة، إلا أن بنكيران كان معدوم الأذرع للتدخل في المجال اليومي للمواطن. وهاهي انتخابات 4 شتنبر 2015 تعطي لحزب العدالة والتنمية الفرصة ليصبح «الحزب الوحيد» تقريبا الذي يقرر في البلاد بعد أن حصل على5021 مقعد من أصل31503 بالمغرب. هذه النتيجة لا ترتبط بنسبة ما حققه آبناء عبد الإلاه بنكيران (15.9 في المائة ) بل بنوعية الاختراقات المحققة التي تتجلى في حصول العدالة والتنمية على الآغلبية المريحة في التجمعات الحضرية الكبرى. وهذا ما يستدعي الملاحظات التالية: l أولا: لأول مرة سمحت هذه الانتخابات لحزب واحد بأن يسيطر على المدن الكبرى. فحتى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سبق وهيمن على مدن المغرب في انتخابات 1960 لا يحق أن تقارن تجربته بالحالة الراهنة، لكون مغرب المرحوم محمد الخامس كان آنذاك فتيا وحديث العهد بالاستقلال، فضلا عن أن خزائن الجماعات المحلية كانت آنذاك كلها فارغة، بالإضافة إلى أن مغرب محمد الخامس كان مغربا قرويا بامتياز، ولم تكن للمدن قيمة أورهان سياسي يذكر. وإذا استحضرنا أيضا الاختصاصات المقزمة التي كانت ممنوحة لمنتخبي 1960 آنذاك سنلغي المقارنة نهائيا بين المرحلتين. أما في مغرب محمد السادس فقد تمكن حزب العدالة والتنمية من تلوين الواجهة الأطلسية المغربية كلها باللون الأخضر )رمز الأحزاب الإسلامية) علما أن كل الثروات المادية والبشرية توجد بالواجهة الأطلسية التي كان يسميها الجنيرال ليوطي ب«المغرب النافع». ورغم أن المغرب يضم 1503 جماعة حضرية وقروية، فإن السماء أهدت لبنكيران هدية ذهبية، ألا وهي الأغلبية الكاسحة في الحواضر الكبرى. ففي عشر مدن كبرى فقط (طنجة - القنيطرة - سلا - الرباط - المحمدية - الدارالبيضاء - أكادير وفاس - مكناس - مراكش) أصبح حزب بنكيران يتحكم في إدارة شؤون 48 في المائة من السكان الحضريين بالمغرب ككل. فهذه المدن العشر لوحدها تضم حسب إحصاء 2014 ما مجموعه 9845260 نسمة من أصل 20350805 يقطنون بالحاضرة. وهذه الأرقام ليست اعتباطية، لأن بنكيران حينما عض على رئاسة المدن الكبرى بالنواجد وأدار التحالفات بنفسه، فلأنه يعي حجم الرهان الانتخابي، خاصة ونحن مقبلون على محطة انتخابية مصيرية (برلمان 2016). وبالتالي كلما اقترب حزبه من التكتلات الديمغرافية كلما ارتفعت أسهم «البيجيدي» في استقطاب ناخبين أو متعاطفين جدد (انظر افتتاحية هذا العدد). وهذا ما يقودنا إلى العنصر الثاني: l ثانيا: اقتراع 4 شتنبر 2015 شكل فرصة لا تعوض، لأن المجالس الجديدة (بلديات + جهات) ستشكل مع انطلاق موسم مالي جديد، أي أن حزب بنكيران أمامه كل الأجواء لإعداد ميزانية المدن الكبرى وفق تصوراته وأولوياته حتى تتقاطع الأجندة المحلية مع الأجندة الحكومية، ويتحقق لحزب المصباح إحكام الطوق. بدليل أن بنكيران لم يبد أي حماس بشأن مصير الجماعات المحلية الصغرى أو المراكز الحضرية الهامشية. فرغم أنه حاز أغلبية مطلقة فيها أيضا، فإن «البيجيدي» لا تغريه رئاسة مجالس هذه الوحدات الإدارية الصغرى لسبب بسيط: ألا وهو أنها ستنهكه كحزب لكونها جماعات فقيرة وتقتات أصلا من منح الدولة، وسيصعب على منتخبي هذه الجماعات تلبية الانتظارات اليومية للمواطن. l ثالثا: لن يعاني بنكيران مستقبلا في الغرفة الثانية مثلما عانى حينما كان مجلس المستشارين في قبضة خصومه. فحسب الدستور الجديد يضم مجلس المستشارين 120عضوا منهم 72 عضوا قادمين من الجماعات. وبما أن المصباح حصد5021 مقعد، فإن ذلك كفيل بأن يضمن له الفوز بحوالي 25 مقعدا أو 30 بشكل سيجعل منه «أقلية مزعجة للأغلبية بالغرفة الثانية». l رابعا: استغل بنكيران كل الموارد المتاحة له (موارد دستورية + قانونية + رمزية) بشكل ذكي وبشكل يخدم الآهداف الاستراتيجية لحزبه. ففي مجال هيكلة الحقل الديني تم زرع أوتاد بنكيران في معظم المجالس العلمية ووسط الأئمة والخطباء والوعاظ فيما العائلات السياسية الأخرى (خاصة الاتحاد واليسار عموما) دخل في خصومة مع الموروث الديني للمغاربة مما جلب السخط على رموزهم وبالمقابل تجذر «البيجيدي» أكثر في المجتمع. وفي مجال هيكلة الحقل السياسي كان الرابح الآكبر هو حزب «لامبا» لأنه الحزب المؤطر والمنظم والذي تنضبط قواعده في البرلمان وفي المجالس المحلية، لدرجة أن تحديد العتبة في نسبة 8 في المائة أضرت كثيرا بالأحزاب الأخرى وأعطت شحنة إضافية لحزب العدالة والتنمية. وها هو «العاطي ما يزال يعطي» إذ أن بنكيران، ومن موقعه كرئيس الحزب الحاكم يصيغ القوانين على مقاس أجندته ويخرجها وفق الجدولة الزمنية التي يحددها نفسه (بفتح النون والفاء) الحزبي، لدرجة أن القوانين الانتخابية الأخيرة تم إعدادها على عجل وتحت الضغط ولم تتمكن الأحزاب كلها حتى من قراءتها واستيعابها، فأحرى الوقوف على متاهاتها. خامسا: كانت انتخابات 4 شتنبر مجرد تمرين لجس نبض الشارع ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف استعدادا لمحطة 2016. فهدف بنكيران ليس تغطية الجماعات والتحكم في مقاليدها فحسب، بل واكتساح البرلمان في الانتخابات المقبلة للحصول على 170 أو 175 مقعدا كي يحكم المغرب بدون تحالف أو تنازل لهذا الحزب أو ذاك. وآنذاك قد يصبح حزب العدالة في وضع يطالب بتعديل الدستور (الفصل 172 وما يليه) ليتمم بنكيران دورته التحكمية على كافة مفاصيل الدولة مدنية وعسكرية. ألم يقم أردوغان بنفس الأمر حين استتب له الأمر بالبرلمان؟!

 

تفاصيل أخرى تجدونها في العدد الأخير من أسبوعية " الوطن الآن " الذي يوجد بالأكشاك