الحرب في سوريا مشتعلة منذ 2011، تنتج الدمار والضحايا والمهجرين واللاجئين والهاربين من جحيمها ( فاق عددهم أربعة ملايين لاجئ) بحثا عن أفق للاستمرار في العيش، كثير منهم لم يختاروا مآلهم، وبعضهم اختار أوروبا لاعتبارات متعددة، وأوروبا أدارت لهم ظهرها، بعد أن تنكر لهم العالم أجمع وعلى رأسه منظمة الأمم المتحدة التي تلعب وتلهو بأموال العالم وتبذرها في نيويورك، وخارجها، تورط الكثيرون من داخل سوريا ومن المنطقة ومن خارجها في صناعة المأساة السورية، ومأساة هؤلاء الفارين من جحيم طال ولا أفق يبدو في غده، تتراجع في ترتيب الأخبار على مختلف قنوات العالم المرئية والمسموعة. وقد عادت مأساة سوريا لاحتلال موقع الصدارة بصورة الطفل الراحل، بعد أن تواترت قصاصات الوكالات والصور المتناثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للقطة مصورة لطفل صغير منكبة جثته على وجهها في شاطئ كان الراحل البريء يظن، مع أسرته الصغيرة، أنه على وشك أن يفرد له الشاطئ، الذي لم تطأه أقدامه حيا، جناح الرحمة ويحضن مستقبله بذراعين عطوفين، صورة ترسم معالم شتات جديد لشعب ينتمي لبلد مثقل بالحضارة، التي تعود إلى غابر الأزمان، وليست آثار "تدمر" التي دمرها التتار الجدد، تحت عمامات الدين كما يتوهمونه، سوى صفحة من مجلداته.
صورة الطفل الراحل عن هذا العالم ذكرني بحنظلة المبدع الفلسطيني ناجي العلي الذي ظل واقفا بشموخ وصمود في وجه الرداءة العربية لسنوات، لم ترحم معاناته تخمة النفط و"خاء" شيوخه الوسخة. الفرق أن حنظلة ظل واقفا وصمد صمود عنوان يدين حقبة كاملة من التاريخ الحديث ومن ظلم طال شعب فلسطين ولا يزال، رغم رحيل مبدعه ناجي العلي، الذي وقع إبداعاته بحنظلة الذي أدار ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره عام 1973م كما أصبح رمزاً للهوية الفلسطينية التي ما تزال تعاني منذ عقود أمام تجاهل عالمي ظالم فاق كل أنواع العقوق والتنكر لعشرات القرارات المشروعة التي ظلت حبرا على ورق صقيل.
عندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: "عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
ولو سألوا الطفل السوري الراحل لماذا لم تدر وجهك نحو العالم ربما كان سيجيبهم نفس الجواب لكن بلسان الشعب السوري قائلا "سأدير وجهي عندما تصبح الكرامة السورية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان السوري شعوره بحريته وإنسانيته، ويتوقف العبث العربي والعالمي بأمن وسلامة سوريا ووحدة ترابها كاملة غير منقوصة".
ويبقى السؤال المنتصب بشراسة "هل ستوقظ صورة حنظلة السوري ضمير العالم أم سوف يطويها النسيان مثلما طوى مآسي كثيرة خارج القارتين الأوروبية والأمريكية؟؟؟