صراع الرئاسة وجهاز الاستخبارات في الجزائر يصل إلى نقطة اللاعودة

صراع الرئاسة وجهاز الاستخبارات في الجزائر يصل إلى نقطة اللاعودة

عكس توقيف الأمن الجزائري لرئيس دائرة مكافحة الإرهاب السابق عبدالقادر آيت وعراب بتهم تصل حد الإعدام، حجم الصراع الدائر بين مؤسستي الرئاسة وجهاز الاستخبارات في الجزائر، والذي يرجح أن تكون آخر جولاته تنحية مدير جهاز الاستخبارات الفريق توفيق.

أكدت مصادر مطلعة في العاصمة الجزائرية ، توقيف الجنرال عبدالقادر آيت وعراب المكنّى “حسان”، من طرف قوات الأمن بمنزله الكائن بحي شوفالي بأعالي العاصمة هذا الخميس.

وتم تحويل حسان إلى سجن البليدة العسكري، في انتظار محاكمته بعدة تهم على رأسها حيازة سلاح غير شرعي، والتصريح الكاذب وتكوين مجموعات مسلحة.. وغيرها، وهي التهم التي تصل عقوبتها حد الإعدام.

وشغل الجنرال حسان منصب رئيس دائرة مكافحة الإرهاب منذ تسعينات القرن الماضي، في جهاز الأمن والاستعلامات، ويوصف بكونه من المقربين جدا من مدير جهاز الاستخبارات الفريق توفيق، وتم توقيفه في فبراير من العام الماضي، حيث وضع تحت الرقابة العدلية من طرف المحكمة العسكرية بالبليدة (50 كلم جنوبي العاصمة).

وتأتي الخطوة لتعمق حالة الاحتقان في الجزائر، المرتبط بالصراع القائم بين مؤسستي الرئاسة وجهاز الاستخبارات، وحملة التطهير التي تطال أبرز الضباط والجنرالات، وإعادة هيكلة دوائر وصلاحيات دوائر الجهاز، من طرف الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ صائفة العام 2013.

ولا يستبعد محللون أن تكون آخر جولات هذا الصراع هي تنحية الرجل القوي الفريق توفيق، الذي صار في حكم الأمر الجاهز وينتظر الإعلان فقط، وليس أمامه إلا حدوث “معجزة” في هرم السلطة، بحسب مصادر على صلة بالجهاز.

وحذّر معارضون سياسيون في الجزائر من التمادي في حملة قصقصة دوائر المؤسسة العسكرية لأنها تنال مما أسموه بـ”العقيدة العسكرية لأفرادها”، خاصة في ظل الترويج لحملة غير معلنة لإزاحة من يعرفون بالضباط والقيادات الموالية لفرنسا، وحتى الحديث عن إمكانية الاحتواء من جديد للضباط الفارّين لعدد من العواصم الغربية منذ تسعينات القرن الماضي.

وذكرت المصادر أن العقيد محمد سمراوي اللاجئ في فرنسا قد يكون عاد إلى الجزائر، بموافقة القيادة العليا للمؤسسة العسكرية، كما أن العقيد أحمد شوشان المقيم حاليا في بريطانيا، كان قد ثمن بقوة قرارات تنحية رؤساء دوائر الأمن الداخلي والحرس الجمهوري والأمن الرئاسي، وهم على التوالي علي بن داود، أحمد مولاي ملياني، وجمال كحال مجدوب.

وقال العقيد شوشان في تسجيل له على اليوتيوب “أدعو الجزائريين إلى تثمين القرارات الأخيرة، والالتفاف حول المؤسسة العسكرية ودعم قيادتها لأجل تطهير المؤسسة من الموالين لفرنسا”، ومن دون الكشف عن تفاصيل الولاء أو تصفية الحسابات، وصف شوشان القرارات بـ”الجريئة” و”غير المسبوقة” لأنها أزاحت من تجذروا في المؤسسة العسكرية منذ بدايات الاستقلال الوطني.

وقالت المصادر إن التحقيقات التي باشرتها المصالح المختصة منذ مطلع العام الماضي، أفضت إلى إصدار قرار التوقيف من طرف المحكمة العسكرية بالبليدة، في حق الجنرال حسان، الذي قاد عملية التدخل في حادثة تيغنتورين في يناير 2013، في أعقاب قيام جماعة مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة يقودها مختار بلمختار (خالد أبو العباس)، باختطاف العاملين الأجانب والتهديد بنسف القاعدة الغازية، وأدى التدخل العسكري بقيادة الجنرال إلى القضاء على المجموعة الخاطفة ومقتل الرعايا الأجانب.

وتضيف المصادر بأن الجنرال الموقوف متابع بتهم تكوين مجموعات مسلحة، والتصريح الكاذب بشأن الأسلحة والذخيرة التي كانت بحوزته، والكذب وحجب المعلومات حول الأسلحة الحربية، وهي تهم خطيرة تصل عقوبتها إلى الإعدام، بحسب المادة 86 من القانون العسكري الجزائري، وقد تم تسويغها بناء على التحريات التي أجرتها المصالح المختصة مع ثلاثة إرهابيين، تم إلقاء القبض عليهم أحياء في حادثة تيغنتورين.

وبدأ مسلسل الجنرال حسان العام 2013 مع توقيف نقطة تفتيش عسكرية بالقرب من محافظة ورقلة ( 800 كلم جنوب شرقي العاصمة )، لمجموعة أفراد يحملون أسلحة عسكرية، أقروا خلال التحقيق معهم أن الجنرال المذكور هو من جنّدهم وسلّحهم، ليتم فتح تحقيق سري في شأنه إلى غاية إحالة الملف على المحكمة، التي يجهل تاريخ النظر فيها، كونها يرتقب أن تكون سرية، لكنها ستكون من دون شك ثرية وحافلة.

ويعد الجنرال حسان واحدا من الأذرع القوية للفريق توفيق التي تمّت تنحيتها من طرف الرئيس بوتفليقة منذ العام 2013 من مواقعها في جهاز الاستخبارات، وإذ تمت إحالة كل من رشيد لعلالي (العطافي)، وعثمان طرطاق (بشير)، وجبار مهنا، والعقيد فوزي، على التقاعد، فإن إحالة حسان على المحاكمة تنطوي على الكثير من الإثارة والحساسية، خاصة وأنه لم يسبق للقضاء العسكري أن مثل أمامه ضابط بهذه الرتبة والأهمية، مما يضفي على الملف زخما جديدا في المأزق الجزائري ويضيف حلقة جديدة لمسلسل الصراع بين الرئاسة والاستخبارات.

كما ينتظر أن يسلّط الضوء لأول مرة على ملف مكافحة الإرهاب، واختراق المجموعات المسلحة من طرف مصالح الأمن بحسب ما تروّج له بعض دوائر المعارضة، وقيامها بتنفيذ تجاوزات في فترة التسعينات، وهو ما ينال في النهاية من عقيدة مكافحة الإرهاب لدى منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية، في ظل التهديدات الأمنية المحدقة بأمن البلاد.

وشغل الضباط المذكورون قيادة دوائر التوثيق والأمن الخارجي، الأمن الداخلي، المديرية المركزية لأمن الجيش، ومركز الإعلام والنشر، قبل أن يتم حلّ المركز المذكور، وجهاز الشرطة القضائية، ثم إلحاق الأمن الرئاسي بقيادة أركان الجيش، وإجراء مختلف الإقالات والتعيينات الجديدة على رأس مختلف الدوائر والمصالح.

 

العرب اللندنية