تعوّل الأحزاب السياسية في المغرب بمختلف مشاربها على الانتخابات المحلية التي تعتبر أحد المسارات التمهيدية الأكثر أهمية للانتخابات البرلمانية، فرؤساء البلديات الذين سيفوزون في الانتخابات الجهوية هم في حقيقة الأمر “مشروع فائز بالانتخابات البرلمانية” على حدّ تعبير الخبير المغربي في القانون الدستوري أحمد البوز.
وأوضح البوز، في تصريحات صحفية، أن مرشحي الأحزاب الذين سيضمنون بفوزهم في الانتخابات المحلية رئاسة المجالس البلدية، سيضمنون أيضا الفوز في الانتخابات التشريعية بنسبة 60 إلى 70 بالمئة، وهو ما يفسّر التسابق المحموم بين الفاعلين السياسيّين على هذا الاستحقاق.
ويعمل حزب العدالة والتنمية الإسلامي والقائد للائتلاف الحكومي على الفوز بالانتخابات الجماعية والجهوية خاصّة وأن موقعه على الخارطة السياسية في تقهقر واضح في ظل تصاعد موجة الانتقادات وحتى الاتهامات التي طالته حول تستره على ملفات الفساد. ويتوقع مراقبون أن يلتجئ المواطنون إلى التصويت العقابي ضدّ إسلاميي العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة، ويعد التصويت العقابي أحد السيناريوهات المحتملة وهو نتيجة لعدم التزام الحزب ببرنامجه الانتخابي لسنة 2011 وعدم تحقيق وعوده لناخبيه.
ومن المرجح أن تتراجع الكتلة الانتخابية للحزب الإسلامي بقيادة عبدالإله بن كيران والمتكونة أساسا من الطبقة الوسطى ومن المفقّرين والمهمشين الذين كانوا الأكثر تضرّرا من الإجراءات الحكومية على المستوى الاقتصادي. كما تعدّ مشاركة فيدرالية اليسار في الانتخابات المحلية تحديا بالنسبة إلى العدالة والتنمية، فالفيدرالية ستعتمد على الحجة المضادة لتحجيم الإسلاميين واستمالة جزء من الطبقة الوسطى التي صوتت لصالحهم.
ويواجه حزب العدالة والتنمية امتحان الوضوح حول هويته وأطروحته السياسية ومدى ارتباطه بالحركة الإسلامية العالمية، ورغم تأكيد قادته على قيامهم بمراجعات جوهرية دعّمت البعد السياسي وخففت من ثقل البعد الدعوي، إلا أن موجة النقد والاتهامات بازدواجية الخطاب مازلت تلاحقه إلى اليوم.
وعاد الجدل حول هوية الحزب مع بداية الحملة الانتخابية حيث أكد خصومه أنه لم يقم بمراجعات جوهرية وأنه يعيش حالة ارتباك بخصوص هويته السياسية، فتارة يؤكد قياديوه على أن الحزب سياسي ذو نهج إصلاحي وتارة أخرى يقرّون بمرجعيته الإسلامية ويكشفون عن أصولها وارتباطاتها بالحركة الإسلامية العالمية وطورا يتنصّلون من تنظيم الإخوان بالتأكيد على أنهم قاموا بمراجعات تنفي كل التهم والأحكام المسبقة.
وتحمل استحقاقات 4 شتنبر 2015، رهانا إقليميا مرتبطا بالتجربة السياسية للإسلاميين في الحكم فبعد خسارة حركة النهضة التونسية في الانتخابات التشريعية الماضية رغم احتلالها المركز الثاني وسقوط إخوان مصر، يتساءل الجميع عن مصير إسلاميي المغرب الذين فشلوا في قيادة الحكومة وتحقيق مطالب المواطنين.
وعجز حزب بنكيران عن حلّ ملف المعتقلين السلفيين وهو ما سيقلّل من حظوظ فوزه في بعض المناطق الشرقية للملكة وخاصة في مدينة وجدة التي مكّن ناخبوها وهم من أنصار جماعة العدل والإحسان السلفية، مرشّح العدالة والتنمية من الظفر بمقعد في الانتخابات البرلمانية السابقة.
ويعد السلفيون الجيش الاحتياطي لحزب العدالة والتنمية في الاستحقاقات الانتخابية ويبدو من خلال إعلان جماعة العدل والإحسان مقاطعة الانتخابات المحلية أنهم غير راضين عن أداء الحكومة التي وعدتهم بالنظر في ملف المعتقلين ومعالجته في وقت وجيز دون جدوى.
ويعدّ ملف المعتقلين السلفيين أحد الملفات العالقة في المغرب نظرا لأهميته وحساسيته، فمن جهة تحاول السلطات إعادة النظر في مقاربتها الأمنية بخصوص التعامل مع أبناء هذا التيار بغية إعادة إدماجهم في المنظومة المجتمعية والعقائدية السائدة والبعيدة عن العنف والتطرف، ومن جهة أخرى تفرض عليهم إجراءات أمنية مشدّدة ممّا قد يدفعهم إلى القيام بأعمال إرهابية انتقامية.
في المقابل يرى بعض المراقبين أن أصوات السلفيين لن يكون لها أثر مباشر على نتيجة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، باعتبار أنهم لا يمثلون كتلة انتخابية متجانسة بسبب الخلافات بين حماد القباج وعبدالرحمان المغراوي (أبرز شيوخ السلفية في المغرب). إلا أن أصوات السلفيين تعد مهمة بالنسبة إلى بعض أحزاب المعارضة التي بادرت باستمالتها مثل حزب الاستقلال الذي دعا أمينه العام حميد شباط إلى عدم ربط السلفية بالإرهاب ومعالجة ملف المعتقلين.
العرب اللندنية