في أفق تجديد المجالس العلمية: حذار من تسلل الخلايا النائمة لسرقة الموروث الديني للمغاربة

في أفق تجديد المجالس العلمية: حذار من تسلل الخلايا النائمة لسرقة الموروث الديني للمغاربة

جدد الخطاب الملكي، بمناسبة ذكرى 20 غشت الماضية، تأكيد الدور المركزي الذي يضطلع به المغرب لفائدة الإسهام في حماية الإستقرار على المستوى الإقليمي والدولي من أجل إسلام الوسطية والتسامح والإعتدال. وهو الدور الذي ضاعفه المغرب، في السنوات الأخيرة، تعميقا لجهوده المتواصلة لهيكلة الحقل الديني بتواز مع مشاريع التنمية القطاعية والوطنية. وعلى ضوء ذلك، يترقب الملاحظون تدابير من أجل إعادة تنظيم المجالس العلمية المحلية التي تناط بها مهام التأطير والتوجيه، وبلورة سياسة دينية للقرب بما يعضد الأمن الروحي للمغاربة...

واعتبارا لهذه المهام والوظائف، توجد المجالس العلمية في صدارة الهياكل الوطنية العاملة من أجل التدين المغربي المتجذر في التربة المغربية وفق الثوابت المشتركة الراسخة، والمنفتح على حاجيات العصر وضروراته. وإذن، فمن أجل تعضيد هذه الوظائف يكون إعادة تنظيم هذه المجالس أكثر من ضرورة حيوية واستراتيجية لمغرب اليوم. وما يؤكد هذه الحاجة اعتبارات تنظيمية أخرى خاصة بسير المجالس ذاتها، من ذلك مثلا الحاجة إلى تعويض عدد من المقاعد الشاغرة بفعل الوفيات، طلبات الإعفاء لأسباب خاصة، إضافة إلى ما سجل من ضعف المردودية بالنسبة لأداء بعض الأعضاء.

إلى هذا الحد فالأمر يبدو متجاوبا مع المقتضيات الوطنية المعلنة، لكن ما يشغل المعنيين بأمور وتفاعلات الحقل الديني، وبالشأن المجتمعي بشكل عام هو التخوف من أن يتم تصريف عمليات التنظيم هاته من طرف الوزارة وفق المساطر الإدارية الجافة والمتسرعة. في هذا الإطار يساور بعض المعنيين بتطورات الحقل الديني نوع من الإرتياب من أن تؤدي هذه المساطر، أو من أن تتدخل إرادات الشر إلى الإلتفاف على مشروع التغييرات عبر تسريب عناصر المد الأصولي في بعديه الإخواني والوهابي لشغل المهام الموضوعة للترشيح، كما حدث في محطات سابقة حيث يتم زرع المعارضين للتدين المغربي ضمن دواليب الهياكل الرسمية مثل بعض المؤسسات الجامعية أو الدينية أو هيئة الخطباء...  ولذلك تقتضي المصلحة الوطنية يقظة تامة في اختيار الأسماء المقترحة لعضوية المجالس العلمية المحلية، ودرس نهج سيرتها، وعلاقاتها العامة، وفحص آليات ارتباطاتها، والكشف عما إذا كانت ترتبط بشبكات الولاء التي تنتمي إلى الخلايا النائمة للتدين المشرقي أم لا. خاصة أن ما يجري على صعيد العالم العربي الإسلامي، والدولي بشكل عام يؤكد بالملموس أن هناك مشروعا عالميا للتحكم في طموحات الشعوب نحو التغيير والإصلاح، عبر سرقة الثورات وسرقة موروث الشعوب ومشاريع الإصلاح في المهد، وإجهاضها تماما كما حدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وفي مصر. وبالطبع فعملية السرقة هاته مندرجة ضمن فلسفة إدراج كل البلدان المعنية بطموح التحول نحو  فكرة "الفوضى الخلاقة" التي تهدف إلى وضع الشعوب أمام أحد الخيارين، إما دوام الإستبداد أو الدمار الذي يمهد إلى حكم القاعدة و "النصرة" و"داعش". والمغرب ليس بعيدا عن الصورة، بل إنه في قلبها بالنظر إلى التهديدات الحقيقية التي تتربص بالنموذج المغربي الذي يريد أن يرسيه مغاربة اليوم كما أشار إلى ذلك الخطاب الملكي الأخير.

إن عملية إعادة تنظيم المجالس العلمية المحلية ليست فقط تدبيرا تقنيا، أو ضرورة تنظيمية بحثة، ولكنها عملية جوهرية قد تجعل المغرب يقظا في مواجهة مخططات خفافيش الظلام، أو قد تعود به إلى الوراء لتضعه في حالة حجز من  طرف الفكر والممارسة الأصوليين.

المغرب وعلماؤه أمام هذا الاختيار الحاسم، إما الإستسلام إلى إسلام التحجر والإقصاء والظلام، أو حماية مغرب التحديث والبناء الديمقراطي على قاعدة إسلام اليوم والغد.