من الأمور المُلفتة للانتباه خلال الحملة الانتخابية الجماعية والجهوية هذا العام، التحاق العديد من الشيوخ والوجوه التي كانت محسوبة على تيار "السلفية" أو "السلفية الجهادية" ببعض الأحزاب الوطنية، لخوض غمار الانتخابات. ومن المعلوم أن القياديين والعناصر المنتمين لتيار ما يعرف بـ "السلفية الجهادية" يرون أن الانتخابات والبرلمان والديموقراطية كفرا، فبعد أن كان الحديث يتعلق بمراجعتهم لفكرهم ومواقفهم اتجاه سياسة البلد ومؤسساتها، أصبحنا اليوم أمام واقع انخراطهم في العمل السياسي من داخل المؤسسات وترشيحهم ضمن لوائح بعض الأحزاب الوطنية، كما هو الحال بالنسبة للمرشح "عبد الواحد باخوت"المُكنَّى بـ "أبي طه" أحد معتقلي ملف السلفية الجهادية سابقا، والذي يخوض هذه الأيام غمار انتخابات 4 شتنبر وكيلا للائحة الوطنية بمدينة مكناس تحت لواء حزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" لمؤسسه ورئيسه محمود عرشان. "أنفاس بريس" اتصلت بـ "أبي طه" وكان معه الحوار التالي.
أنت من المعتقلين السابقين في إطار ملفات متابعة المحسوبين على ما يُعرف بـ "السلفية الجهادية"، وهذا التيار معروف بأنه يعتبر الانتخابات والديمقراطية والبرلمان كفرا.. اليوم تخوض الانتخابات مع حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية. هل من تفسير لهذا الانتقال الجذري؟
لا .. لا .. أنا كنت أشكل تيارا داخل تيار السلفية الجهادية، وكان تيارا مُعتدلا، لدرجة أنه استهدفتني عمليتا "محاولة اغتيال"، على أساس أني لا أساير التيار المتشدد والمتطرف داخل تيار السلفية الجهادية، وقد كنت أطالب بتأسيس جمعية لكي نشتغل من خلال المؤسسات، وهذا ما جعلني هدفا للاغتيال، وكنت أيضا قد دخلت في صراع مع بعض قيادات السلفية الجهادية، وفي هذه الفترة انشق صف السلفية الجهادية لثلاث "طوائف" : مثلا : شباب الدار البيضاء وهم مجموعة من أحياء (سيدي مومن، درب السلطان، الحي المحمدي، السكويلة، الشيشان، درب ميلا) كانوا يتبنون هذا الاتجاه المتطرف، وعند التحاقي بهم غيرت مواقفهم وراجعوها وعدلوا عن تبني هذا الاتجاه المتشدد.
ماهي النسبة المئوية التي كان يشكلها هذا التيار الذي وصفته بالمعتدل داخل صفوف تيار "السلفية الجهادية" ؟
كان تيارنا يأخذ عن شيوخ السلفية التقليدية مثلا (بن باز، الشيخ العُتيمي، فوزان) وهم شيوخ من السعودية لم نكن نحذر الناس منهم، كان تيارنا المعتدل يشكل الثلث من تيار السلفية الجديدة، وكنت أترأس هذا التيار كما ذكرت، وقد واجهت "الميلودي زكريا" رحمه الله، وأقنعت بعض العناصر بتبني التيار المعتدل بديلا لتيار يدعو لعدم إنجاز الوثائق الإدارية (البطاقة الوطنية.. عقد الزواج إلخ.)، وقد كنت طلبت من "الشيخ الفيزازي" نظرا لرمزيته، أن يكتب رسالة خاصة سماها "عقد توثيق النكاح والرد على من قال أنه كفر بواح"، وقد تكلفت بالإشراف على طباعة الرسالة وتوزيعها، لكي أحارب الفكر المُتطرف الذي يمنع أن نتعامل مع مؤسسات الدولة ونحصل على الوثائق الإدارية وما شابه ذلك.
أنت الآن مرشح انتخابي (وكيل لائحة بمكناس) تابع لحزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" ماهي دوافع التحاقك بهذا الحزب دون غيره؟
التحقتُ بحزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية" شأني شأن سلفيين آخرين كـ (الشيخ الشادلي ومجموعة من السلفيين الجهاديين)، وأسباب التحاقي بهذا الحزب مرتبطة باعتزالي مدة 10 سنوات أو 12 سنة، وكنت أعيش عزلة فكرية وما زاد من أثرها على نفسيتي حينها هو أني كنت حركيا قبل ذلك، كان حزب "النهضة الفضيلة" قد تحرك في ملف السلفية الجهادية، وبدأت تتعرض له وسائل الإعلام وتتحدث عن رغبة الدولة في حصول انفراج في هذا الملف وحلحلته، ففكرت ورأيت أنه إذا كان توجها صحيحا وكانت هناك نية صادقة لتحريك هذا الملف، سأنخرط في الحياة السياسية وفعلا التحقت بحزب "النهضة والفضيلة" في شهر مارس 2014، وبعد مؤتمره الإقليمي تكلفت بمهمة المنسق الإقليمي لمكناس، ثم أصبحت عضوا بالمجلس الوطني، وكان اقتراح أن أتقلد مهمة نائب رئيس المجلس الوطني، لكن تأجج الصراع بيني وبين بعض عناصر الحزب الآتية من حزب العدالة والتنمية، وهم أشخاص كان الحزب الأخير قد رفضهم و وطردهم من صفوفه على أساس أنهم عناصر لا يصلحون، ولسوء الحظ تواجدوا معي في مكناس، وهؤلاء الملتحقين بحزب النهضة والفضيلة القادمين من حزب العدالة والتنمية لديهم فكر ضد أن تلتحق السلفية الجهادية بحزب، وبحكم أنهم مطرودون من حزب العدالة والتنمية تولدت لديهم عقدة إثبات الذات في حزب آخر، وقناعة أن منافسهم القوي هم السلفيون، فكانوا أينما وجدوهم يحاولون إقصائهم وهو ما جعلني أستقيل، ولما سمعت أن ملف معتقلي "السلفية الجهادية" أثير وتم طرحه في حزب (سي عرشان) التحقت بحزبه، وكان أيضا السلفي (سي شادلي) قد اتصل بي مرتين لألتحق بالحزب كي أتعاون معه في الاشتغال على حل "ملف السجناء"، هذا عمل أرى أنه واجب ونطلب الله أن يوفقنا لنتيجة إيجابية.
ألا تتخوف من عدم تصويت الأصوليين والتيارات السلفية عليك، بحكم أنك التحقت بحزب بعيد عن مرجعيتهم؟
لا.. الآن وقع عندي تحول كبير من الناحية الاجتهادية والناحية الفقهية، وأصبحت لدي رؤية أخرى للتعامل مع الواقع حتى على المستوى السياسي، بالنسبة لي هناك مسافة شاسعة مابين قراءتنا للنص وتعاملنا مع الواقع، يعني نقرأ النص قراءة صحيحة لكن عند الرغبة في تطبيقه ستكون خطأ فادحا، لأنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الواقع ومتطلباته والمصالح والمفاسد وما يجب أن يكون وما لا يجب أن يكون، وأنا أرى الآن أن دول العالم الثالث دول مُستضعفة، أتعامل مع الواقع على أساس أننا دولة مُستضعفة، وحكم المُستضعف ليس هو حكم المُتمكن، المُستضعف لا تجب عليه الكثير من التكاليف والأحكام الشرعية، بخلاف المُتمكن فليس له الحق أن يقوم ببعض التنازلات مثلا.
هناك من سيقول أنك اليوم تقول بأنك مستضعف ستقدم تنازلات، وإذا حصلت مستقبلا على سلطة مُعينة أو نفوذ سوف يتغير خطابك وتتبدل رؤيتك للواقع من جديد وتعود كما كانت؟.
أنا لا أقول أني المُستضعف، أقول الدولة ككل مُستضعفة، الأحكام داخل الدولة لا يمكن تطبيقها كدولة متمكنة ولديها شوكة قوية مع الدول الأخرى.
وما علاقة الدول الأخرى بمثل هذه القناعات الذاتية؟
دول العالم الثالث تخضع لسياسات تـُفرض عليها وتـُطبق عليها بالقوة، وهي في موقف الاستضعاف، فبالتالي نرى (المفاسد والمصالح) ونتعامل بـ (أخف الضررين) بهذا المنطق.
ماهي وعودك لسكان المنطقة التي ترشحت لتحمل مسؤولية التسيير الجماعي والجهوي بها بمكناس؟
أنا وكيل اللائحة بـ (عمالة مكناس)، وبرنامجي الشخصي ولن أتكلم عن برنامج الحزب، نابع من قناعتي الشخصية وتنطلق من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان). فبالتالي دخولي للانتخابات الجماعية والعمل السياسي برمته، مرتبط بمسألة أنه إذا كانت إماطة الأذى عن الطريق تدخل في فلك ودائرة الإيمان، فما بالنا إذا كنتُ سببا في "تعبيد طريق" وما بالك إذا كنت سببا في إيصال كأس ماء لمواطن، أنا أخوض الانتخابات لكي أنفع الناس قدر المستطاع.