"جوق العميين" ينشط حفل تتويج الطلبة السجناء، وفاطنة البيه تنبه مطربة ترتدي تنورة قصيرة

"جوق العميين" ينشط حفل تتويج الطلبة السجناء، وفاطنة البيه تنبه مطربة ترتدي تنورة قصيرة

كان الموعد مضبوطا على الساعة الثالثة من بعد زوال يوم الإثنين 25 يوليوز الجاري، أما المكان فهو مدخل السجن المحلي عكاشة بالدار البيضاء، كانت سوميشة رياحة رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء وسطات، أول من اجتازت باب السور العظيم، ليليها فيما بعد رفاقها في اللجنة الحقوقية وباقي المنظمات المشتغلة في نفس الميدان..

"لاكارط، الله يخليك"، كان أحد الموظفين يسجل المعطيات في سجل خاص ويقارنها بسجل توصل به مسبقا من قبل اللجنة الجهوية، استغرقت العملية أكثر من نصف ساعة، وبعد التأكد من هوية الوفد الحقوقي الذي كان مرفوقا بشخصيات قضائية وإعلامية وطبية وفنية، تم تجاوز المدخل الثاني، حيث كان عبد الله السعيدي، مدير السجن في استقبال الوفد، وبعد الترحيب بهم، استأذنهم في ترك هواتفم المحمولة في الإدارة، طبقا لدورية للمندوب العام لمديرية السجون..
"هذا إجراء لأول مرة نتعرض له"، احتج أحد الحقوقيين، مضيفا "نزور العشرات من السجون، ولم يسبق لأحد أن صادر هواتفنا المحمولة"، ليجيبه مدير السجن المحلي، "هذا إجراء إداري موقع من قبل السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وينطبق على الجميع، بما فيهم الموظفين، وهذه المسألة أكدنا عليها مسبقا مع اللجنة الجهوية، إلى جانب منع التصوير، باستثناء المرخص لهم"، تدخلت سوميشة وحاولت تهدئة الوضع بعد تشنج واضح بين المدير وبعض أعضاء الوفد الحقوقي، ليتم التوافق في الأخير على ترك الهواتف في داخل سيارة أحد أعضاء اللجنة الجهوية..
بالمدخل الثالث تجمع الوفد الحقوقي متبادلا أطراف الحديث، "اسمحوا لينا هناك إجراءات تجميع النزلاء، وإخراجهم من الزنازن، ليلتحقوا بالقاعة الكبرى، حيث ستجري أطوار الحفل، وهو ما يستلزم بعض الوقت"، يقول أحد الموظفين، كان المدخل الثالث يضم مكاتب خاصة باستقبال السجناء وتصفيف ملفاتهم العدلية، وهو الفضاء الذي يضم أكبر عدد من الحراس، وبين هذا الفضاء والقاعة كانت هناك سبعة حواجز حديدية، يقف على كل حاجز رجال غلاظ أشداء من رؤساء معاقل، ونوابهم ورؤساء الأحياء، يردون التحية بأحسن منها، حاجز بعد حاجز، حتى تم ولوج القاعة الكبرى، فضاء متسع يضم شطرين، على اليمين جلس الوفد الحقوقي، وعلى اليسار جلس قرابة 80 نزيلا واحتلت الصف الأول بضع نزيلات، رفقة مديرة الإصلاحية وحارسات فارهات الطول، أما السجناء فقد كان منهم القاصر والشاب اليافع والطاعن في السن، بل إن بعض النزلاء الذين بدوا صغارا في أعمارهم، اشتعل رأسهم شيبا، وهو ما علق عليه معتقل سابق ضمن اللجنة الحقوقية "الحبس ولبرودة يشيبو القرودة"..من النزلاء من يرتدي لباسا رياضيا ومنهم من يرتدي لباسا تقليديا مغربيا، منهم الملتحي ومنهم الحليق، منهم من له الأقدمية السجنية، ومنهم حديث عهد بالسجن، كل واحد وقصته مع السجن، ولا أحد يعترف بجرمه، "أنا مظلوم، وضحية هذا المجتمع"، عبارة يختلف طرحها بين هذا السجين وذاك، لكنها واحدة المعنى ومختلفة المبنى، جلسوا في صفوف متساوية، بعد أن أعطيت لهم التعليمات بالتزام أماكنهم، وعدم الاختلاط مع الوفد الحقوقي، ومع ذلك كانت هناك حالات تسلل تحت أعين الموظفين الذين كانوا يغضون الطرف عنها.. تسلل واتصال عنوانها الأكبر، طلب العفو الملكي ورفع مظالمهم للجهات المعنية
..
منصة الحفل كانت تضم على اتساعها رسما تشكيليا لفضاء صحراوي ممتد، تتوسطه خيمة يعلوها العلم الوطني، صحراء لها دلالات مد البصر والحرية واللامحدود، وعن يمين الصورة، وضع مجسم لبئر، في دلالة على ارتباط الماء بالصحراء، في حين زينت جنبات القاعة بلوحات إبداعية لسجناء..
لم تخرج كلمتي رياحة والسعيدي عن سياق التنويه بمثل هذه المبادرة التي تصب في اتجاه أنسنة الفضاء السجني، وتكريس حق التعليم لجميع السجناء، وتشجيعهم على متابعة مسارهم الدراسي بما يساهم في تيسير إدماجهم في المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة، إذ لايمكن أن يكون هناك إصلاح للسجون بدون إقرار لحق السجناء في التعليم"، على حد قول رئيسة اللجنة الحقوقية، بالمقابل يرى مدير السجن المحلي أن "سلطة الأخوة فوق السلطة الإدارية في علاقة طرفي المؤسسة السجنية، وبأن شعب التكوين المهني ستتضاعف خلال السنة المقبلة"..
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍوَاتَّقُوا اللَّهَإِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌبِمَا تَعْمَلُونَ.."، بهذه الآية الكريمة، اختار أحد السجناء في الخمسينيات من عمره، افتتاح حفل تتويج الطلبة السجناء، وكأنها رسالة توبة وتقوى، وهو المقرئ الذي تم تتويجه باعتباره حفظ القرآن الكريم خلال فترة سجنه، وهو يترأس في نفس الوقت مجموعة فنية تضم رفاقه في السجن اختاروا لها اسم "مجموعة أمل للمديح والسماع"، ولعلها أمل في وضع حد لعقوبتهم السجنية، وأمل في معانقتهم الحرية من جديد، وأمل في توبة نصوح، حيث أطرب السجناء الثمانية الحضور بأناشيد التهليل والتكبير والصلاة والسلام على خير البرية.. وفي نوع غنائي آخر، خلق ثلاثي من المكفوفين، يحمل اسم "مجموعة نجوم البيضاء" من خارج المؤسسة السجنية، حالة من الفرح واستذكار الزمن الجميل، من خلال أداء أغاني الوطنية والحب والهوى والغرام، لمطربين مغاربة كنعمان الحلو في أغنيته بلادي زين البلدان، وكاس البلار، "إلى غاب كاس البلار يبقى فلبي محتار خايف عليه.." لفتح الله المغاري، غير أن الفقرة التي أثارت انتباه السجناء، هي وصلات غنائية أدتها إحدى الشابات، ترتدي تنورة قصيرة، بمجرد جلوسها، كشفت عن فخديها، مما جعل حديث الهمهمات والإشارات تنتشر بين النزلاء، وهو ما انتبهت له المعتقلة السياسية السابقة فاطنة البيه، التي اتجهت نحو تلك الشابة والتمست منها مراعاة وضعية السجناء النفسية، غير أن أغانيها الغرامية في تقليد للمطربة اللبنانية أميمة الخليل، جعلها منسجمة مع تجاوب النزلاء في تتبع مقطوعاتها وهم يسترقون النظر.. وهو ما جعل الكوميدي عاطر، يسر لأحد الجالسين بجنبه بأن السجناء قد يحتجون على فاطنة البيه في مسألة "الصاية"..

أما بالنسبة للمتوجين، فقد شملت اللائحة السجينات والسجناء التالية أسماؤهم:

في امتحان الباكالوريا:

نادية صوتي، دنيا معامل، مريم قسطاس،عبد الكريم ريجي، حداد أيمن، زهير البردادي، أشرف الجديلي، عمر الحدادي.

كما تم تتويج بعض السجناء في مجال حفظ القرآن الكريم والسلوك والإبداع.

هي أكثر من ساعتين، اعتبرها بعض السجناء فسحة من نوع خاص، ليعودوا بعدها لزنازنهم، وكلهم أمل في أن يطالهم العفو الملكي المرتقب بمناسبة عيد العرش.