تلامس الأيدي بشكل يومي ومستمر العديد من الأشياء المتسخة وبالتالي تصبح حاملا أساسيا للعدوى تصيب صاحبها وتصيب الغير.ولعل أهم أسباب المرض وإعادة المرض بالتعفنات راجع بالأساس إلى عدم القدرة على قطع الحلقة المفرغة المكونة من الثلاثي: يد، فم، مخرج (الدبر والبراز). فاليد تلامس البراز والتعفنات وبالتالي تصل الجراثيم مع غياب النظافة، من اليد إلى الفم وتمر الجراثيم مرة أخرى عبر الجهاز الهضمي نحو البراز، لترجع في دورة أخرى إلى اليدين غير النظيفتين، وهكذا دواليك في حلقة مفرغة.
هذه الحلقة المفرغة المتكررة لا ترهن الجسم الحامل للعدوى فحسب، ولكن تنتقل في إطار العشرة اليومية عبر المصافحة والملامسة وأيضا عن طريق تمرير التعفن للغذاء، بواسطة الأيادي المتسخة التي تحضره، نحو آخرين لنعيش نفس السيناريو، معششا في الجسم ومتنقلا بين الأفراد.
خير مثال يفهمه الجميع هو ديدان الجهاز الهضمي، التي تؤرق بعض العائلات نظرا لتكرره بين أفراد الأسرة، وخصوصا الأطفال رغم محاولات الدواء المتكررة، لأن العنصر الأساس يكون مفتقدا وهو نظافة اليدين قبل كل شيء مع تقليم الأظافر لأنها تحتفظ ببقايا التعفنات حتى مع غسل اليدين.
هذه الدورة المرضيةالتعفنيةالقاتلة،والتي في حالاتها القصوى عبر الإسهال وتكرار الإصابة بالإسهال تسبب حسب الأرقام الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة - اليونيسف – في وفاة طفل واحد في العالم كل 30 ثانية،وهي مرتبطة أساسا بضعف النظافة نظرا لندرة المياه الصالحة للشرب في بعض الدول والمناطق ،أو لغياب التربية الصحية والسلوك الآمن للحفاظ على سلامة الجسم وعلى رأسها غسل اليدين. وقد أظهرت الدراسات العلمية بأن غسل اليدين بالماء والصابون يكفي للحد من مخاطر الإصابة بالإسهال بنسبة تتراوح بين 30 و50 بالمائة.
وهكذا فحمى التيفويد والباراتيفويد وما يشبههما من الأمراض التعفنية ما زالت تحصد أرواح الأطفال في القارة السمراء بسبب قلة الماء وانعدامه أحيانا، في الوقت الذي تتحدث فيه المعايير عن ستين لترا كحد أدنى لكل فرد يوميا، لتلبية الاحتياجات الصحية من ماء شروب ونظافة الجسم والثياب والمكان.
عندنا بالمغرب، وإن كنا لا نصل لحالات الوباء إلا أننا لسنا في أحسن حال، لأن أمراض الإسهال الحاد وسوء التغذية ما تزال موجودة، وبالخصوص في العالم القروي،لأن العديد من المناطق تشكو من الخصاص المهول في الماء. وخير مثال على ذلك مناطق الجنوب الشرقي، التي تعاني من هذا الهم اليومي، وبالكاد تتدبر الأسر بعض قنينات الماء الشروب فأحرى أن نتحدث عن ستين لترا للفرد الواحد يوميا.
تنتقل الميكروبات أيضا نحو الأيادي المتسخة عن طريق العطاس أو السعال أو فرك العينين وبعد ذلك يمكن أن تنتقل إلى باقي أفراد الأسرة والمجتمع.ولعل أهم وسيلة أثبتت نجاعتها في تفادي عدوى أخطر الأمراض كمرض الإيبولا أو الكورونا والأنفلونزا هي النظافة وتجنب تمرير المكروبات عبر قطع سلسلة العدوى من أصلها، وهي بكل بساطة عن طريق غسل اليدين، وتفادي الاتصال بإفرازات البيولوجية كالدم والنخامة والبول والبراز وغيرها.
وتنتقل الميكروبات أيضا إلى الأيدي عن طريق الأشياء المشتركة التي يتم لمسها من طرف عدد كبير من الناس، كالنقود وأزرار الكهرباء ومقابض الأبواب إذ تتضمن هددا هائلا من أنواع الجراثيم تفوق بنسبة كبيرة جراثيم المراحيض في حد ذاتها.
يمكن بالماء والصابون ومادة جافيل أن نهزم كل هذه الجحافل من آلاف الميكروبات الأعداء الذين لا تراهم العين المجردة. وذلك عبر غسل اليدين بالماء والصابون أثناء تحضير الوجبات، كما ينبغي تنظيف الخضر والأواني والمحيط بالماء وجافيل. وأيضا ينبغي غسل اليدين قبل الأكل وبعده وعند السعال والعطاس التي قد تمر معه الإفرازات نحو اليدين ولمس المناديل المستعملة، وبعد استعمال المرحاض،وأثناء العمل وبعده ففكرة (يد الفلاح نقية) تجني على الكثير.
أيضا هناك بعض المهن التي تتطلب احتياطات أكثر، لأننا نصادف خلالها مواد تحمل تعفنات خاصة، بيولوجية وكيماوية،كمهنة الطب،التي قد يصبح من خلالها مهنيو الصحة عاملا من عوامل نقل العدوى.ولذلك،ولتفادي نقل الجراثيم المتعددة وخصوصا المقاومة للمضادات الحيوية،غسل اليدين وبانتظام يصبح واجبا.فالأيدي النظيفة هي بدون مبالغة إنقاذ للأرواح.والعكس بالعكس. لكن هل لكم أن تتصوروا أن في مستشفيات المغرب هناك بعض قاعات الفحص بدون مغسل صحي وماء،مما يعني أن ظروف الاشتغال محفوفة بكل المخاطر للطبيب والمريض على حد سواء.