خصص التلفزيون الهولندي في برنامجه "ساعة الأخبار" حلقة مثيرة حول موضوع الأئمة المغاربة الذين تمت الاستعانة بهم لـ"مقاومة الجهادية" و"التطرّف" لدى الشباب المغربي، وذلك بالتركيز على مبادرة استقدام أئمة من المغرب خلال شهر رمضان تحديدا لإلقاء الخطب وتوعية أبناء وطنهم بمخاطر التطرّف والجهادية.
ومن الملاحظ، حسب ما تتبعته "أنفاس بريس"، فإن هذا الاستقدام للأئمة قد أثار حفيظة العديد من المسؤولين والجمعيات المغربية، إلى درجة عبروا معها عن قلقهم واستيائهم من حضور أئمة لا يفقهون، بمنظورهم، في قيم وعادات المجتمع الهولندي، ولا يتحدثون لغة الشباب الذين من أجله قدموا إلى هولندا لتوعيته والتأثير عليه.
وتأساسا على هذا الاعتقاد، اعتبر هؤلاء جلب أئمة من البلد الأصلي، مساهمة حقيقية في عرقلة اندماج المسلمين داخل هولندا، لكونهم يخضعون لسلطة الحكومة المغربية، وإسلامهم لا يتماشى وعادات و تقاليد المجتمع المستقبل. لهذا، حث المعارضون على ضرورة الاهتمام بتكوين أئمة هولندا من منطلق أنهم يتكلمون لغة هذا الوسط، وبإمكانهم مخاطبة الشباب المغربي دون صعوبات.
أما المناصرون، أو لنقل، المتحمسون لفكرة استقدام أئمة المغرب فيرون، كما عاينت "أنفاس بريس"، بأنها إيجابية وتساعد حتما في القضاء على الراديكالية، مستدلين بما يروه نجاحا أكيدا في مواجهة التطرّف كنموذج مغربي يحتدى.
لكن، ومن جهة أخرى لم يصدر أي جواب مقنع، لا من هذا الطرف أو ذاك، حول مغادرة مئات من الشباب المغربي الذين التحقوا ب"الداعشيين" سواء في سوريا أو العراق، الأمر الذي يقلق السلطات الهولندية، حتى أنه عجل بسفر وزير الشؤون الاجتماعية "لودفيك أشر" إلى الرباط أواخر شهر مارس الماضي للتباحث مع المسؤولين المغاربة حول بعض القضايا التي تهم اندماج المغاربة في المجتمع الهولندي، وكذا نقاش مسألة الراديكالية التي بدأت تجد لها صدى وترحيب لدى الشباب المغربي سواء في وطنهم الأم أو في بلد المهجر.
وفي هذا الصدد، أكد إدريس البوجوفي، متحدثا باسم هيأة الاتصال للمسلمين بهولندا وكمسؤول عن مبادرة استقدام الأئمة، في تصريح للتلفزيون الهولندي، بأن استقدام الأئمة من المغرب ليس بجديد، وأن الراديكالية ليست مغربية بل عالمية، مضيفا، وفق ما رصدته "أنفاس بريس"، أن هولندا عرفت قدوم أئمة من المغرب منذ ثمانينات القرن الماضي، كما أن حضور حوالي 53 إمام إلى هذا البلد ليس فقط لدعم ومساندة الأئمة به. ولكن أيضا للمشاركة في الحد من ظاهرة الراديكالية والتطرّف وسط الشباب المغربي المغرر بهم من طرف "الداعشيين". لذا، يقول إدريس البوجوفي، بأنه طالب من سماهم بـ"التبولوحيين" ويقصد الأئمة، بضرورة الاهتمام والتعريف بالإسلام حتى تتضح الرؤية لدى الشباب المغربي المتوجهين إلى سوريا.
هذا، وتحدث التقرير التلفزيوني أيضا، تبعا لما سجلته "أنفاس بريس"، عن الشباب المستقطب إلى سوريا، والذي يضم من بينه حوالي 70 في المائة ذووا الأصل مغربي، ترتيبا على أن هذا الموضوع كان وراء سفر وزير الشؤون الاجتماعية ونائب رئيس وزراء الحكومة الهولندية "لودفيك أشر" إلى الذهاب للرباط من أجل التباحث مع نظرائه، وتبادل وجهات النظر معهم في موضوع الراديكالية والشباب المغربي الملتحق بسوريا، مع العمل على تقريبهم من الدين الرافض للأصولية والوقوف في وجه التطرّف.
وللإشارة، فإن الأئمة الذين تم استقدامهم، ألقوا الخطب ودروس الوعظ والإرشاد في العديد من المساجد بهولندا. وفي مقابل تفاؤل الإمام محمد الذي اعتبر مهمتهم ناجحة، وبأن المراكز الإسلامية عبرت عن حاجتها لهم، أقر الباحث الهولندي "مارتين دو كونينغ" بفشل هذه المبادرة، واعتبرها فقط دعاية للحكومة المغربية التي تريد تقديم صورة معتدلة عن الإسلام. وبالتالي، شكك في قدرة هؤلاء الأئمة على معالجة موضوع الراديكالية.
أماإدريس البوجوفي، فقد اعتبر في رده للتلفزيون الهولندي، بأن معالجة الراديكالية هي مسؤولية الجميع، مقرا بأنه لم يتم فعلا تحقيق المراد لكنه سعيد، على الأقل، بما تحقق في الندوات والنقاشات من إثارة للموضوع، وأنه سيستمر مستقبلا في الاستفادة من هؤلاء الأئمة.
وفي موضوع ذي صلة، دعا أحمد أبو طالب، عمدة مدينة روتردام، بمناسبة افتتاح أحد المراكز الإسلامية، الأئمة الأجانب إلى دراسة اللغة الهولندية، كما طالب الجاليات الإسلامية بأن تعمل بنفسها على توفير الإمكانات المادية لذلك، خاصة وأن الشباب المغربي لا يتحدث العربية. لذا يرى بأن تكوين الأئمة ضرورة ملحة، ولن يتحقق إلا بتعلم اللغة الهولندية على أساس أنها السبيل الوحيد لتحقيق التفاعل المنشود مع الشباب، في حين أن غياب لغة التواصل، يستدرك أحمد أبو طالب، لن يؤدي سوى لمغادرة الشباب وعودته من حيث أتى "و هذا ما لا نريده".