حراس الأمن الروحي بالمغرب.. من هم؟ وظائفهم؟ مساراتهم؟

حراس الأمن الروحي بالمغرب.. من هم؟ وظائفهم؟ مساراتهم؟

 تظافر الجهد المغربي أمنيا وروحيا واجتماعيا ليحافظ على وجوده كنموذج مختلف داخل محيطه الإقليمي. وقد أثبتت المعطيات، في ما بعد، صواب هذه الاستراتيجية، حيث تحول المغرب إلى قبلة لدول عربية وإفريقية وأوربية، بهدف استلهام الاستراتيجية المغربية في الهيكلة والتأطير والبناء المذهبي يكون دائما وقع الخسارات، على المستوى الروحي، أكثر خطورة على الأفراد والجماعات من باقي أنواع الخسارات المادية. ولربما هذا ما يشكل الحلقة المفقودة في الكثير من سياسات دول العالم التي فتحت عيونها فجأة على الصدمات الكبرى (ومنها الصدمات الإرهابية) فاختارت أقرب المعالجات بالانكفاء على أولوية المقاربة الأمنية على حساب باقي أنواع المقاربات الأخرى. وبالنسبة للحالة المغربية، فقد عشنا في 16 ماي 2003 واحدة من الصدمات الإرهابية التي اختبرت صلابة النسيج المغربي،واختبرت، في الآن اته، طبيعة الاختيارات المقترحة لمواجهة مثل تلك الهزات الإرهابية. ومن م برز الحل المغربي كنوع من الاجتهاد الذاتي الذي يضع المقاربة الروحية ي صدارة الضلع الثلاثي، بالإضافة إلى المقاربتين الأمنية والاجتماعية. ومن ثم أيضا أمكننا الحديث انطلاقا من ذلك اليوم الأسود عن الصحوة الدينية التي دشنت عملية تجديد الحقل الديني المغربي.

 حين وُضع المغرب، سنة 2003، وجها لوجه أمام تحدي الإرهاب حرك المقاربة الأمنية بترصد الشبكات الإرهابية الكامنة، وبمراجعة الملفات ذات الصلة، بتبني قانون مكافحة الإرهاب. وبموازاة ذلك كان واعيا بأن مثل هذا التحدي لا يجابه  فقط بحلول أمنية مهما كانت نجاعتها، ولذلك أطلق مبادرة التنمية البشرية بإشراف شخصي من الملك. وقد خصصت لها ميزانيات ضخمة من موارد متنوعة لمواجهة الهشاشة الاجتماعية بمظاهرها القاسية في المدن والقرى.

 لكن المغرب كان يعي بأن معالجة الملفات الأمنية والأوضاع الاجتماعية لاتكتمل إلا بمقاربة أخرى روحية تقدم مقترحات لهشاشة الجوانب الروحية غير الملموسة في الكيان المغربي.

 استنادا على هذه الاعتبارات، كان الخطاب الملكي أمام الفاعلين الدينيين، يوم 30 أبريل 2004، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، علامة فارقة وأرضية لباقي الخطابات الملكية اللاحقة، خاصة خطاب ليلة القدر سنة 2007 بتطوان، وما تلاه من خطابات عيد العرش، حيث كانت المسألة الدينية تحظى بقطب الرحى في التعليمات الملكية الموجهة للحكومة والبرلمان، وعموم الفاعلين في الحقل الديني الوطني.

 وتنزيلا لهذه الرؤية الملكية شهد المغرب ظهور عدد من الظهائر والمراسيم التي تم بمقتضاها إعادة التفكير في مجموعة من المؤسسات الدينية بهدف هيكلة الحقل الديني. في هذا الإطار بادر المغرب إلى تطوير دار الحديث الحسنية وتجديد المجالس العلمية والرابطة المحمدية والتعليم العتيق، وإحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، ومعهد مؤسسة محمد السادس للدراسات القرآنية، ومؤسسة محمد السادس للمصحف الشريف..

 إضافة إلى ذلك استمرت رعاية الطرق الصوفية تحت إشراف أمير المؤمنين. كما تم الانتباه إلى الدور الهام الذي ينبغي أن يضطلع به التعليم العتيق وفق الاستراتيجية المبتغاة.

 وبتصفح هذا البناء التدرجي يبدو واضحا أن الاستراتيجية التي تعتمدها مؤسسة إمارة المؤمنين في هذا الاتجاه تقوم، أولا، على أن ينضبط المغرب إلى سرعتين متواصلين: سرعة عمل الأجهزة الأمنية، وسرعة عمل الأجهزة الإدارية والمؤسسات العلمية والخطباء. وتقوم، في مستوى ثان على أن تظل إمارة المؤمنين منسجمة مع ذاتها التاريخية باعتبارها تمثل دائما ذلك الإسلام المنفتح المؤسس على الاختيار الثلاثي الذي حافظ على تماسك المغرب منذ قرون: المذهب المالكي الرابط بين النص والسياق، والأشعرية الرابطة بين النص والعقل، والتصوف الجنيدي الرابط بين النص والأشواق الروحانية.

 أما الركيزة الثالثة التي تعتمدها الاستراتيجية الملكية فتتمتع ببعد استشرافي، ذلك أن المغرب الذي تلقى الضربة الإرهابية لسنة 2003 قد وعى بأن ذلك التهديد لا يشكل حالة معزولة، ولكنه يندرج ضمن نهوض إرهابي عالمي كان إسقاط البرجين في نيويورك هو الحلقة الدامية الأولى فيه. ومن ثم كان المغرب يعي كذلك بأنه معني بحماية سيادته وحدوده الجغرافية ورصيده من خطر يهدد وجوده كبلد للتسامح والوسطية، ولذلك تضافر الجهد المغربي أمنيا وروحيا واجتماعيا ليحافظ على وجوده كنموذج مختلف داخل محيطه الإقليمي.

 وقد أثبتت المعطيات، في ما بعد، صواب هذه الاستراتيجية، حيث تحول المغرب إلى قبلة لدول عربية وإفريقية وأوربية، بهدف استلهام الاستراتيجية المغربية في الهيكلة والتأطير والبناء المذهبي، ولذلك خرج بسلام من التفاعلات السيئة لما يسمى«الربيع العربي»، ولذلك أيضا كان مهيأ لمواجهة مسلسل «دعششة» العالم، كما بدأ في العراق وسوريا، ويتواصل اليوم في اليمن وليبيا وتونس ومصر...

 هل يعني ذلك أن المغرب "قطع الواد ونشفو رجليه؟" سيكون من الخطأ أن نجيب عن هذا السؤال بالإيجاب لأن الشبكات الإرهابية العالمية تشتغل بنفس إيقاع النجاعة والتوثب، ولأن لاختيارات التي تتبناها الدول المهددة بالإرهاب لا تزال تعاني من قصر النظر ومحدودية المقاربة. وفي الإطار نتساءل هل كان عدد توافد المتطوعين على تركيا بنفس القدر لو اعتمدت هذه الدولة نظام الفيزا للحد من درجات التوافد؟ وهل كان الوضع على هذه الهشاشة لو انخرطت الجزائر فعليا ضمن استراتيجية حقيقية لمواجهة الإرهاب عوض أن تظل محتجزة في نظام بائد؟.

"اليد الواحدة لا تصفق"، فعسى أن ينتبه محيطنا الإقليمي والدولي لفرادة النموذج المغربي.

(تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في غلاف العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"، تجدونه في كل الأكشاك)