فاطمة أحسين: المرأة المغربية والمشاركة السياسية

فاطمة أحسين: المرأة المغربية والمشاركة السياسية

خاضت المرأة عبر العالم مجموعة من المعارك النضالية من أجل تعزيز مكانتها كشريك داخل مجتمعاتها؛ وبدورها المرأة المغربية انخرطت منذ زمن في النضال من أجل بناء وطن يسود فيه العدل والحق لجميع فئاته.. وهنا لابد أن نستحضر شخصية مغربية ساهمت في إشعاع اسم دولة، والتي هي الدولة المغربية، وهي السيدة فاطمة الفهرية التي ساهمت بمالها في بناء جامعة علمية، ويمكن اعتبارها جامعة أممية آنذاك نظرا للدور التاريخي الذي لعبته هذه الجامعة في تكوين علماء حيث حج إليها طالبي العلم من كل بقاع العالم.. وهذا مثال على أن المرأة المغربية  كانت حاضرة و فاعلة في المجتمع منذ اثني عشر قرنا.

ومع قرب الانتخابات الجماعية، والتي لا يفصلنا عنها سوى بضعة أشهر، أصبح موضوع المشاركة السياسية للمرأة محط نقاش مؤسسات الدولة المتمثلة في البرلمان من أجل إيجاد قوانين لتمكين المرأة من الممارسة السياسية والأحزاب وكذلك هيئات المجتمع المدني والمهتمين بالشأن السياسي ببلادنا؛ حيث نُظمت مجموعة من الموائد المستديرة والأيام الدراسية من أجل التحسيس بأهمية المشاركة السياسية للمرأة.. ولقد خصص لهذا الغرض ميزانية مهمة من طرف وزارة الداخلية من أجل تحفيز الأحزاب التي تدعم إشراك المرأة في الحقل السياسي.

مكتسبات دستورية و قوانين تشريعية محفزة للمرأة

لا أحد يمكنه أن ينفي أن دستور 2011 جاء بنصوص واضحة من أجل تعزيز مكانة المرأة في جميع المجالات الحيوية ببلادنا بحيث ينص الفصل 19 من الدستور على ما يلي:

- يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.

- تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء.

- وتُحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

وتماشيا مع مقتضيات دستور 2011 فقد نجحت النساء البرلمانيات في معركتهن بخصوص تحسين تمثيلية المرأة داخل المجالس الجماعية حيث سترتفع من 12% إلى 27%، كما تم المصادقة مؤخرا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو".

إذن مما لا يدعو إلى الشك أن الجانب الدستوري والحقوقي والقانوني ببلادنا هو جد مُغر ومحفز للمرأة لكي تكون حاضرة في جميع المجالات ولكي تكون فاعلة وتقوم بدورها المنوط بها داخل المجتمع وكي تشارك في مراكز القرار وتساهم في مسلسل الانتقال الديمقراطي ببلادنا بجانب شريكها الرجل.

إكراهات تحد من المشاركة السياسية للمرأة

ولكي تجسد هذه المكتسبات الدستورية على أرض الواقع، لابد للمرأة أن تنخرط في الأحزاب كي تتبوأ مراكز القرار.. ولكن على مستوى الواقع، نلاحظ حضورا ضعيفا إن لم نقل باهتا للمرأة داخل الأحزاب و هذا لعدة اعتبارات أهمها:

أولا: الماضي السياسي الذي كانت فيه الممارسة السياسية تحفها مجموعة من المخاطر؛ بحيث كان من الصعب ممارسة السياسة في سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات إلى حدود بداية التسعينات، نظرا للمناخ السياسي المكهرب وما صاحبه من انتهاكات لحقوق الإنسان؛ ومع ذلك كانت المرأة حاضرة بنضالها في هذه الفترة بحيث تابعنا شهادات لنساء عانين من القمع والتعنيف والتعذيب إبان هذه الفترة المأساوية في تاريخ السياسة ببلادنا عبر القناة العمومية أثناء جلسات الاستماع.

ثانيا: لكون الممارسة السياسية لدى عامة المجتمع مرتبطة بسمعة غير طيبة، وهذا راجع لممارسات سياسية غير أخلاقية من شراء الذمم والترحال السياسي وغياب المحاسبة واتخاذ وعود كاذبة وشعارات فضفاضة لاستمالة الفئة الناخبة بدون مصداقية، وبالتالي هذا المعطى الأخلاقي يحد من مشاركة المرأة في السياسة في مجتمع محافظ يخاف من تلطيخ سمعة المرأة.

ثالثا: غياب الإرادة السياسية لدى الأحزاب بحيث أن حضور المرأة في هياكلها مازال يكتسي طابع التأثيث، كما هو الشأن بخصوص حضورها على المنصات؛ بحيث أن احترام مسألة النوع الاجتماعي يبقى دائما منحصرا على حضور الجسد الأنثوي لتبقى دائما المبادرات في يد الرجل السياسي أدت إلى تهميش الكفاءات النسائية في انتظار ما قد يجود به شريكها الرجل بخصوص تولي مهمة سياسية قد تبرز فيها إمكانياتها في الفعل السياسي و الفاعلية السياسية.

رابعا: صعوبة ظروف اشتغال المرأة في العمل السياسي الميداني والذي يُحتم عليها نهج سياسة القرب والاحتكاك مع قضايا المواطنين بحيث يتطلب منها الإنصات لهموم المواطنين والاجتماع في أماكن مثل المقاهي أو الفنادق في مجتمع مازال لم يمنح للمرأة حقها بالتساوي مع الرجل في تواجدها بالأماكن العامة عكس الرجل الذي يتمتع بحرية مطلقة في استعمال هذه الأماكن.

خامسا: وجود ثقافة مجتمعية ترى أن المرأة المثالية هي تلك الخاضعة والخانعة لسلطة الرجل، وتَعتبر السلطة من اختصاصه؛ هذه الثقافة التي أدت إلى خنق روح المبادرة لدى المرأة ومن طمس فِكر إنساني نسائي؛ ساهم وبدون شك في إنتاج مجتمع لا يتمتع بالتوازنات الفكرية مادام أن حضور المرأة كان مختزلا في القيام بالواجبات المنزلية وإنجاب الأطفال.

ورغم كل هذه المعيقات التي تشكل مجموعة من الحواجز بخصوص المشاركة السياسية للمرأة، فإنه بالمقابل نعتبر عملية التمكين السياسي للمرأة عبر تخصيص نسبة الكوطا للنساء كتمييز إيجابي من أجل الرفع من التمثيلية النسائية في المشاركة السياسية جد مهمة لكن يجب ربطها بالمقاربة التنموية للمرأة عبر العمل على الاهتمام بأوضاعها التعليمية والصحية وتحسين ظروف عيشها، إذ لا بد من إيجاد حلول بخصوص ظاهرة العنف التي تعاني منها المرأة والهدر المدرسي للفتيات في المجال القروي وتشغيل القاصرات ومحاربة الأمية في صفوف النساء وزواج القاصرات وملف الإجهاض.. إذ لا يمكن للمرأة أن تجسد الفعل الحقيقي لممارسة الحرية السياسية في اختيار اللون السياسي بعيدا عن إملاءات السلطة الأبوية المتمثلة في الأب أو الزوج بدون توعيتها بحيث أن المرأة بالمجال القروي، خاصة أنها ما زالت تمارس حقها في التصويت بدون أدنى دراية حول الحزب الذي ستصوت عليه وبرنامجه الانتخابي بخصوص عدة قضايا، وفي مقدمتها قضية المرأة التي تخصها بطريقة مباشرة.

إنه لمن المؤسف بالفعل أن تكون المرأة خزان حقيقي في الانتخابات، بحيث أنها  تساهم في رسم الخريطة الحزبية وتشكيل  مجالس القرار أكثر من مساهمة الرجل، ولكنها لا تساهم في تأنيث هذه المجالس بسبب ضعف انخراطها في الأحزاب، وهذا بالفعل يتطلب جهدا ووعيا لدى المرأة وإرادة لدى المجتمع ليخفف من قيوده عليها، كما فعل بخصوص اقتحامها لمجالات أخرى كانت حكرا على الرجل. ومن المؤسف أيضا أننا اليوم، ونحن نخوض مسار البناء الديمقراطي، ونخوض نقاشا حول الحريات وحول  الإجهاض وحول التمثيلية النسائية في المجالس الجماعية، وبالمقابل الواجهة الدستورية المكلفة بالدفاع عن المناصفة والمساواة غائبة عن هذا النقاش، والمتمثلة في "هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز"، ليبقى نضال المرأة حاضرا على مستوى الحركات النسائية للمجتمع المدني وتكتلات النساء البرلمانيات الموسمية.