بلال مرميد: كراكيز رمضان..

بلال مرميد: كراكيز رمضان..

أنأى قليلا عن السينما هذه الأيام، لأشاهد ما يقترحه علينا التلفزيون. كل مساء، تنتابني نوبات ضحك كالبكاء..

مباشرة بعد انتهاء مواجهة السبت الماضي مع المنتج التلفزيوني "معاذ غاندي" (ضمن برنامج سينما بلال مرميد، الذي تبثه "ميدي1)، بلغتني أرقام نسب مشاهدة الأعمال التلفزيونية الرمضانية، وكل من سيتحجج بها مستقبلا سنسرد على مسامعه كل التفاصيل التي ستدحض طرحه الخاطئ. من عادتي لا أستهدف سيارات الإسعاف وأحترم سيارات نقل الموتى، لكن من الضروري أن نتحدث عن تفصيل مهم جدا و المتعلق بطبيعة الخطاب الذي نبيعه للمتلقي. هل ما يقدم للمشاهد فيه ترفيه؟ وهل يخبر المشتغلون في القطاع المعنى الحقيقي للترفيه؟ بعد أن شاهدت كل الأعمال التي تقدم هذه الأيام، أعبر للقول بأن كل المنتجين المنفذين لا يستوعبون نهائيا بأن الترفيه يخدم ضمنيا التثقيف والإخبار. الترفيه لم ولن يكون يوما هو البهرجة، وتوظيف الممثلين ليقوموا بدور المهرج الذي لا يضحك.

المشاريع تمنح قبل بدء رمضان بوقت قصير، وبالتالي النتيجة لا يمكن إلا أن تكون كارثية على جميع الأصعدة. عادل إمام الذي يتابعه المغاربة في المسلسل الرمضاني، بدأ التصوير مباشرة بعد تكريمه في شهر دجنبر في مهرجان مراكش، أي منذ نحو سبعة من أشهر أيها السادة. الصدف لا تصنع الفرجة، ولو استقدمنا "جين كامبيون" أو "بونوا جاكو" ليخرجا عملا في الوقت المستقطع لن يتوفقا نهائيا. لن أعطي في ركن اليوم أمثلة من زمننا الضائع لأن كل الأعمال تقريبا، اتفق أصحابها على تخييب انتظاراتنا. أود فقط أن أشير إلى أن المؤسف هو أن ننتظر طويلا، وفي آخر المطاف نمنح المال لمنفذ إنتاج ليقدم أي شيء و لا شيء. أن ينطلق متأخرا في الاشتغال، وأن يضمن لنفسه و لشركته الحد الأدنى من المداخيل وطبعا جودة المنتوج هي آخر تفصيل ينتبه له. الأهم بالنسبة له هو أن يقدم ما أنجز، وهناك أعمال يتواصل الاشتغال عليها في رمضان قبل ساعات من عرضها وهي حقا مصيبة ما بعدها مصيبة.

مثل كثيرين تعبت من البكائيات، ومن ممثلين يدفعون للدفاع عن أعمال من المفترض أن يعتزل كثير ممن يشاركون فيها بعد العرض. أعمال تصور دون حاجة للسيناريوهات ولا إعداد قبلي، وما دمنا لا نتوفر على منتجين يركبون المغامرة سنشاهد دائما ما نشاهده اليوم. إن قدمنا الرداءة أمس وقدمناها اليوم، وقدمناها غدا سيتبنى المشاهد المثال الرديء وهي قاعدة على كثيرين أن يستوعبوها. من أخبركم بأن المشاهد لن يهتم بالجيد المتقن؟

لم أبحث يوما عن الأرقام، لأن لعبة الأرقام حق يراد به باطل. ما نشاهده هذه الأيام فضيحة صغيرة، أما الفضيحة الكبيرة فهي أن الشعبوية قريبا لن تنفع أصحابها حتى في تحقيق نسب مشاهدة كبيرة. الخلق يوجهون عيونهم صوب إنتاجات تلفزية أجنبية، في الوقت الذي يصر فيها ممثلونا الرديئون على تذكيرنا بأنهم فعلا جد رديئين وفي مقدمتهم المنضمة حديثا بكثير من إقناع "دنيا بوتازوت". أعان الله عيوننا على تقبل خطاياهم، وعلى نقلهم الفظيع لأعمال أجنبية.

هل بلغتكم رسالتي، أم علي أن أتكلم بلهجة أخرى يعرفها جيدا أهل السينما؟ ما الذي يقع حاليا؟ الذين يكتبون يعتدون على الكتابة، والمخرجون يخرجون عن السياق والممثلون أغلبهم مسيرون ويتم التلاعب بهم. يعتدون على عيون الخلق، وفعلا يتوفقون في مسعاهم. أحسن ما يمكنهم أن يقدموه حاليا هو الصمت.. ما الذي علي أن أضيفه؟ اللهم إني صائم.. اللهم إني صائم..