الإمام والباحث فيصل بنسعيد: أغلب الأئمة الذين تبعثهم وزارة الأوقاف لكندا لا يتواصلون مع الجالية التي ولدت في الغربة

الإمام والباحث فيصل بنسعيد: أغلب الأئمة الذين تبعثهم وزارة الأوقاف لكندا لا يتواصلون مع الجالية التي ولدت في الغربة

يتحدث فيصل بنسعيد، إمام وباحث في الفكر الإسلامي مقيم بكندا، عن أجواء شهر رمضان في كندا، وكيف أن هذا الشهر يزداد فيه اشتياق المغاربة لبلدهم، فيعوضون ذلك بمآدب جماعية في الإفطار، إلى جانب محاضرات وموائد مستديرة، مضيفا، في حوار خص به "أنفاس بريس"، أن احترام القوانين والتقيد بها، من أهم الأساسيات للتعايش في كندا..

+ كيف يمكن وصف أجواء رمضان في كندا؟

- المغاربة بطبعهم يحبون وطنهم، ولا يدركون ذلك إلا عندما تضطرهم الظروف إلى الهجرة.. ورغم سخطهم على الأوضاع، إلا أنهم، وعند مرور بعض الأيام في البلد المستضيف، يراسلون ويهاتفون ذويهم، وتجدهم في أول فرصة يستقلون الطائرة ويقضون أوقات عطلهم في وطنهم رغم ارتفاع مبلغ تذاكر الطائرة وهم في فرح عارم.. وتجدهم كل سنة يصطفون طوابير في المطار مسرعين ومهرولين.. وذلك يدل على تعلقهم ببلدهم وحبهم له.. فمثلا مهاجرو كندا تجدهم في كل مناسبة دينية أو وطنية في الطليعة لتنظيم مآدب وولائم وحفلات ومحاضرات للتعريف بوطنهم وتراثهم وأصولهم بشكل يشرف الجالية بشكل عام.. ونحن جد فخورين بهم في هذا المجال لتثبيت أواصر المحبة والإخاء بين الوطن الأم والوطن المستضيف لهم.

فمثلا في شهر المغفرة والرحمة رمضان المبارك، تجد موائد الإفطار يتم تنظيمها تجمع الأسر فيما بينها سواء في البيوت أو مقاهي ومطاعم المغاربة.. يجتهدون لتقديم الخدمات الملائمة للجالية، فتخفف على الجالية المغربية قسوة الهجرة والغربة على الوطن وتحس بأن هناك ارتباط وطيد بالبلد الحبيب.

وللجالية المغربية بالخارج دور فعال ومهم في زيادة السياحة الخارجية للبلد الحبيب واستقطاب السياح بشكل خاص بما يقدمونه من إشهار قيم بلدهم..

+ هل يمكن القول إن مغاربة كندا محصنون من خطر الداعشية والتشيع، عكس ما هو عليه الحال في أوروبا؟ أم أن الخطر واحد؟

- هناك ميول، عادة، للبحث عن الذات في جميع الثقافات، وهو فطرة إنسانية لا يمكن تجاهلها لأنها رغبة بسيكولوجية وضعها الله في سننه لتزول الحجة يوم لقائه سواء كان شابا، كهلا، طفلا، رجلا أو امرأة.. فهذه ضرورة كشرب الماء أو تنشق الهواء.. ومسألة أن الشباب يتدين أو يرجع للدين، فهذه ليست ظاهرة وليدة العصر.. فمن تتبع التاريخ وفتش في طياته وغطس في أسراره، سيرى أن في كل زمان له موجةً عارمة من التجاذب والصراع من الناحية السياسية أو الدينية عبر التاريخ  للوصول إلى الحقيقة.. فهذه سنة كونية.. ومسألة الفكر التكفيري أو التشيع المتطرف ليست كذلك وليدة العصر، فهي قائمة من عصر الخلافة الراشدة إلى أن تقوم الساعة.. والخوف من هاتين الظاهرتين ناتج لسببين أولهما، عدم معرفة التاريخ، والثاني الإعلام، الذي هو بمثابة سلطة تنفيذية للأفكار والأيديولوجيات كيفما كان نوعها.. وهذا هو التحدي الحقيقي.. وليس الخوف من المذهب أو الطائفة وتوظيف جميع الإمكانيات لمحاربتها هو الحل، وإنما إصلاح الفكر والمنظومة الأخلاقية.. هذا هو الحل، وهذا ما أتى به الإسلام وما أكده القرآن الكريم.. فلم يأت ليمحو الحضارات الأخرى وإنما لتصحيح مسارها.

فقد قال عليه الصلاة والسلام (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فالدين مرتبط بالمعاملات، فمن غفل عن هذا الأمر، غفل عن خير كثير وتحجر قلبه وأصبح قاضيا على الناس لا يسوغ لهم أعذارا ولا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، فيرى في نفسه الهداية وفي غيره الضلال، فهي أزمة أفكار وليست أزمة مذهب.. فالداعشي أو الشيعي المتطرف مذهبه في أساسه، مخالف لما هو عليه بالأدلة والبراهين الشرعية، ولكن ما أوصله لهذه الحالة هو التأويل والشرح المائل من الحق بهواه وما يناسبه يجعله يخرج حتى على طائفته وعشيرته وأسرته ثم بلده بسبب التحجر الذي أصبح فيه، وغالبا تجد من صار على هذا النحو لهم سوابق في الإجرام أو فشلوا في التجارة أو في الدراسة أو حالتهم المادية ضعيفة أو فقر مذقع.. ولهم إحباطات عدة يفجرونها في اتجاهاتهم التي سلكوها من الناحية الدينية.. فلمعالجة هذه الظواهر يلزمنا منظومة متكاملة لتصحيح مسار هؤلاء المتدينين وليس مجرد التنديد والشجب، فهذا لا يكفي، أو حتى المحاربة والقمع والاضطهاد فهذا لن يزيد من الوضعية إلا استفحالا وتعقيدا وهذا ما يحصل الآن على الساحة للأسف.

+ كيف تقيم تجربة البعثات العلمية التي ترسلها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدول المهجر؟

- هذه البعثات تضم علماء ووعاظ، وهي بادرة طيبة ويشكر أصحابها على المجهودات المبذولة.. إلا أن الإشكال الحقيقي هو أن هؤلاء الدعاة والأئمة للأسف أغلبهم لا يعرفون الواقع الذي يتحركون فيه، وليسوا مطلعين على الهوة الكبيرة بينهم وبين الجالية التي وُلدت في الغرب.. فالعقلية متغيرة والسلوك متغير والظروف لا علاقة لها بالبلدان التي أتوا منها، فيقع بعضهم في شرخ عظيم يحول دون تواصل بينهم وبين الناس.. فهناك شباب في أوروبا وكندا لا يؤمنون إلا بالرأي الأحادي، اعتقادا منهم أن ذلك ما علمه الداعية الفلاني أو العالم الذي أتى لبعض الوقت وحضروا محاضراته.. وهذه أزمة تواصل في إفهام جوهر الإسلام وأساسيات مبادئه ..

لقد نجح أول سفراء الرسول، صلى الله عليه وسلم، نجاحا منقطع النظير. نجاحا هو له أهل، وبه جدير، نستخلص من سفارتهم ما يلي:

1- مراعاة المؤهلات الضرورية لتحمل الأمانة، وأدائها على الوجه الأكمل.

2- الشباب المثقف المؤهل، قد يكون أولى من كبار السن، لاعتبارات خاصة.

3- الإجراءات التمهيدية لنشر الدعوة الإسلامية، في المدينة المنورة.

4- الدُّعاة يجب أن يكونوا القُدوة الحسنة في العلم، والعمل، والأخلاق، والسلوك، قولاً، وعملا.

5- الدعوة الصادقة الصالحة بالتي هي أحسن؛ تُثمر النتائج الطَّيِّبة في كل حين. قال تعالى: (ادْعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، سورة النحل أية 125.

فعندما يكون الداعية أو الإمام ملما بوسطه عارفا بواقع من سيدعوهم وخصوصيات زمانه، فاعلم أنه لا محالة، سيغير من أبناء ذلك البلد للخير والإصلاح، وسيكون مؤثرا وليس متأثرا، وهذا ما ينقص العالم الغربي في هذه الآونة لأن أغلب الدعاة يريدون أن يصبح العالم الغربي عالما شرقيا بامتياز، وهذا مستحيل، ويسقطون مفاهيمهم واقتناعاتهم وأيديولوجياتهم على الغرب بشكل أعمى ولا يأخذون الوقت الكافي لدراستها وتحليلها والتعمق فيها ليكون الاتصال بشكل سلس وأكثر منفعة.

+ كيف يمكن تلخيص وضعية المغاربة، خصوصا من حيث أداء مشاعرهم الدينية في كندا؟

- احترام القوانين والتقيد بها، من أهم الأساسيات للتعايش، لذلك فتجربة كندا في هذا المجال، ليست ببعيدة، فعند النزاع أو الصراع تجد الناس سواسية أمام القضاء، فلا فضل لأحد على الآخر بناء على أصله العرقي أو لونه أو جنسه أو دينه أو طائفته.. وإنما يقف الجميع على قدم المساواة أمام القضاء.. ففي المجتمع الكندي تجد تعايشا يعطي درسا للحضارات الأخرى، فإن دخلت للمقهى أو نادٍ أو مطعم تجد الأفريقي والعربي والآسيوي والكندي... على طاولة واحدة يتكلمون ويضحكون ويناقشون وتمر أوقات ممتعة رغم اختلافهم في كل شيء، لأنه عندما يتم الاحتكام للقانون والمؤسسات واحترام الآخر يفرض على كل الناس التعايش فيما بينهم باحترام.. وهذا ما ينص عليه الإسلام الحنيف.. إلا أن ما بين ما ينص عليه وما يفعله المسلمون فيما بينهم كالفرق بين السماء والأرض.