وحيد مبارك: "حصلة" الوزير الوردي

وحيد مبارك: "حصلة" الوزير الوردي

على بعد أيام قليلة من انقشاع الغيوم "الوردية" عن سماء مبادرة "كرامة" التي خصصتها وزارة الصحة لفائدة نزلاء "بويا عمر"، والتي أكدت بأن الخطوة لم تكن سوى جعجعة بلا طحين؛ وإن كانت الفكرة في عمقها نبيلة، لكن تعوزها ركائز الأجرأة الفعلية لضمان كرامة شاملة لنزلاء مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية؛ ونتيجة لارتفاع حدة الانتقادات وموجات الغضب في الأوساط الصحية لضعف البنيات التحتية وقلة الموارد البشرية وغيرها من الاختلالات، جمع وزير الصحة الحسين الوردي مسؤولي الوزارة، وعقد ندوة صحفية منتصف الأسبوع الفارط، بهدف محاولة تلميع صورته و"وزارته" ببعض المساحيق التجميلية علّها تزيل شحوب واصفرار العلل التي تنخر بنيات المؤسسات الصحية وتجبّر كسورها وترمّم أعطابها، معلنا عن حصيلة هي في نهاية المطاف ليست سوى "حصلة" العارف بخبايا الدار الذي رفع أكثر من شعار وشعار، بقيت كلها بعيدة عن التفعيل، بل حتى تلك التي طبقت عرفت فيما بعد تراجعا عن القرار!

الوردي استعرض في الندوة، التي كان من الأجدر أن يرفع فيها شعار"الكرامة" مادامت هي غايته من تنظيمها، لنفسه لا لغيره، عددا من القضايا ذات البعد الصحي، ومن بينها تعميم نظام المساعدة الطبية "راميد" الذي تحدث عنه مزهوّا مختالا، علما بأنه هو في الأصل مشروع لحكومة التناوب التي ترأسها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، التي ناضلت من أجل تحقيق نظام للعدالة الاجتماعية على المستوى الصحي، في الوقت الذي تسعى حكومة بن كيران لإقباره.. إذ لوّح وزير الصحة بالنصر، وهو يعلن عن كون عدد المستفيدين منه بلغ 8.5 مليون نسمة، مفتخرا بكون هذا المعطى هو إحدى نتائج حصيلته، لكنه أغفل أن الأمر يتعلق بـ "حصلة" الحكومة ككل وليس فقط وزارة الصحة في هذا النظام الذي أدى إلى إفلاس المستشفيات وإلى إغلاق أبواب معهد "باستور" المغرب في وجوه المواطنين ورفضه إجراء التحليلات لهم، شأنه في ذلك شأن مختبرات المستشفيات لعدم توفر المفاعلات المخبرية، وبأن بطاقة "راميد" لا تمنح المرضى إلا إمكانية الحصول على سرير لو توفّر في ظل الضغط المكثف، أما باقي المتطلبات العلاجية فهو مجبر على تحمّلها، مع بعض الاستثناءات، مادامت المؤسسات الصحية أضحت فقيرة/ مفلسة، والحكومة لا تسدّد ما بذمتها لها!

"حصلة" لم يجد معها الوردي بدّا هذه المرة من الاعتراف بتعثر تكوين 3 آلاف طبيب في أفق 2020 متذرعا بعدم جاهزيَة بعض المؤسسات التكوينية التي كان يفترض أن تكون قد شرعت في استقبال الطلبة، في حين أن تشييدها لا يزال جاريا، كما هو الشأن بالنسبة لكلية طنجة، لكنه بالمقابل لم يوضح في معرض حديثه عن الخصاص المسجل في المناطق النائية، بأن الوزارة لا تخصص سوى 15 منصبا ماليا لسدّ هذا الخصاص، في الوقت الذي يبلغ عدد المتخرجين 1500 متخرج ، ودون الاعتراف بأن المشكل الكبير يكمن في أعطاب البنية التحتية.

وبما أن الندوة هي مخصصة لكل ما هو وردي، فقد تفادى الوزير التطرق إلى ما هو أسود قاتم، خاصة في ما يتعلق بمواسم هجرة الأساتذة الأطباء صوب كليات الطب الخاصة وتطليق كليات الطب والصيدلة العمومية والمراكز الاستشفائية الجامعية بالثلاثة، مما يطرح أكثر من سؤال وعلامة استفهام عن طبيعة التكوين الذي يتلقاه الطلبة الأطباء فيها وجودته، كما لم يتحدث عن الصخب الذي تسبب فيه متحدثا عن عدم السماح بمزاولة الأطباء للمهام خارج المستشفيات العمومية فإذا بالترخيص بـ "الدوام" نهاية الأسبوع يصبح أمرا واقعا، في وقت تشهر مصحات خاصة قوائم أطباء وزارة الصحة الذين يشتغلون بها في كل وقت وحين دون أدنى حرج؟

"حصلة" أخرى للوردي تتمثل في كون أكثر من 6 آلاف من مهنيي الصحة بالمراكز الاستشفائية الجامعية بكل من الدار البيضاء، فاس، مراكش ووجدة هم معرضون "للجوع" بعد إحالتهم على التقاعد ويعيشون حاليا حالة من الاحتقان، عكس المستخدمين بمركز ابن سينا بالرباط، لأن لكل منهما نظاما مختلفا للتقاعد، فالفئة الأولى منخرطة في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد الذي يمنح معاشات أقل بـ 30 في المائة مقارنة بمعاشات الفئة الثانية المنخرطة في الصندوق المغربي للتقاعد، إذ يصل الفرق في قيمة المعاش بالنسبة لبعض السلالم إلى حدود 5 آلاف درهم، ورغم الوقفات والمسيرات التي نظمتها النقابة الوطنية للصحة العمومية "ف.د.ش"، من أجل المطالبة بتوحيد نظام التقاعد للمهنيين المعنيين وتحويل الانخراطات كلها إلى الصندوق المغربي للتقاعد، فإن الحال لا يزال هو نفسه، علما بأن هذه الوضعية ترخي بظلالها كذلك على خريجي المعاهد المتخصصة في التمريض وكذا الأطباء الذين يحجمون عن التقدم بطلبات التوظيف إلى هذه المراكز التي أصبح فيها نظام التقاعد عائقا أمام تطور الخدمات الاستشفائية، بل إن عددا من المستخدمين المزاولين بهذه المراكز الأربعة يرغبون في تقديم طلبات الانتقال إلى المركز الاستشفائي ابن سينا بالرباط هربا من "جحيم" التفقير..

ورغم كل هذا لم يجد وزير الصحة من حلّ سوى أن رمى بالكرة في مرمى رئيس الحكومة بنكيران من خلال مراسلة مؤرخة في 17 فبراير 2014، كي لا يبقى معنيا لوحده وتكون بذلك "الحصلة" جماعية!