«في 14 نونبر 1985، في إطار اتفاق بين المرحومين الشيخ زايد والحسن الثاني، التحقت بالإمارات 80 عائلة مغربية تم اختيارها على أساس انتمائها الجغرافي المتعدد، وعلى أساس تنوع اختصاصاتها المهنية، بحيث كانت تنتمي إلى سبعة أقاليم هي: الرشيدية ومراكش وتارودانت وورزازات وأكادير والجديدة وسلا».
هكذا تحدث إلى «الوطن الآن» المهندس حدو ألمان، أحد هؤلاء المستقدمين الذي كان يشتغل في الهندسة الزراعية، موضحا لنا بأن معايير الاختيار كانت قد صاغتها لجنة من وزارات الخارجية والفلاحة والداخلية المغربية. وبناء على تلك الصياغة تم تحديد المعايير على أساس أن يكون المرشح للذهاب إلى هناك في عمر يقل عن 35سنة، متزوجا، وله أبناء. ويشتغل أساسا في العمل الفلاحي، سواء من زاوية العمل التقني، أو من زاوية العمل اليدوي. وكانت مجمل الأهداف تتركز حول إنجاح رهان التعاون العميق بين البلدين بخصوص هذا المشروع الذي كان يقوم على فكرة أصيلة وهي العمل في قصر الخزنة وبمحيطه ( تبعد الخزنة عن العاصمة أبوظبي بنحو 150كلم).
نسأل محاورنا:
- «لماذا الخزنة بالتحديد؟»
فيذكرنا بأن تلك المنطقة تندرج في المحيط الأميري للشيخ زايد. «إنها منطقة صحراوية ذات ماء مالح، «ومعناه، يضيف محاورنا، أن المغاربة أصبحوا مطوقين بمهمة استثنائية تقتضي منهم أن يكونوا في مستوى رفع التحدي الجغرافي والبيئي، أي أن يشمروا عن السواعد المغربية من أجل تحويل الصحراء إلى منطقة خضراء». وهذا ما يفسر لماذا تم تنويع الأحواض الجغرافية لمغاربة الخزنة. فالحرص على استقدام عائلات من ورزازات والراشيدية تم بدافع وجود ثقافة النخيل، واستقدام عائلات من الجديدة وأكادير تحكمت فيه دوافع مرتبطة بزراعة الخضر، فيما كان هاجس زراعة الفواكه هو المحدد لاختيار أناس من تارودانت ومراكش، أما سلا فجاءت منها عائلات لكونها (سلا) معروفة بوجود مشاتل الزراعات التجميلية.
يقول محمد تساهل: «كان الشيخ زايد رحمه الله يؤمن بالخضرة، ويحترم البشر والنباتات والحيوان، وكان دائما يقول: «أعطوني زراعة أعطيكم حضارة».
ليس هذا فقط ما يود محاورنا التنبيه إليه، بل إننا في كل تصريحات المواطنين المغاربة الذين استضافوا «الوطن الآن» في وجبة غذاء بمنزل عبد الواحد البرنوسي بـ «الخزنة»، لمسنا اعتزازهم بالإنخراط في ذلك المشروع، حيث يسجلون بفخر بأن كل المغاربة مكرمون في الإمارات، ولكنهم يسجلون بأن مغاربة الخزنة لم يكونوا مكرمين فقط بل وكانوا يحظون برعاية خاصة من طرف الشيخ زايد شخصيا. وقد سار على نفس المنوال أبناؤه بعده بالنظر إلى أن السلطات الإماراتية تشملهم باهتمام كبير وعلى رأسها رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي هذا الأخير، الذي يخصص ديوانه - حسب تصريح عبد الواحد البرنوسي - مسؤولا مهمته الأساسية هي التواصل مع مغاربة الخزنة وتذليل الصعاب وحل المشاكل التي قد تواجههم. «والحمد لله - والكلام للبرنوسي - أي نقطة نطرحها مع المسؤولين الإماراتيين يتم التجاوب معها بسرعة فائقة. لدرجة أن البطالة في صفوف مغاربة الخزنة صفر، والأمية في صفوفنا صفر. فالكل متعلم والكل يتمتع بوظيفة محترمة. أما الرعاية الطبية التي نحظى بها فجد ممتازة».
وقاطعه جاره عبد الله أشباني: «هل تعلم أن أحد أبناء مغاربة الخزنة أصيب بداء السرطان وتحملت دولة الإمارات العربية نفقات علاجه بسنغافورة لمدة نصف سنة مع تحملها لنفقات إيواء أمه ووالده بسنغافورة أيضا ليكونا قرب ابنهما. وهل تعلم أن مغربيا آخر عالجته الإمارات بالصين وتحملت نفقات علاجه مع ابنه وزوجته. وهل تعلم أن مسؤولي الإمارات لم يترددوا أبدا في التكفل بمغربي آخر معنا في الخزنة لمدة سنة ونصف بسنغافورة كذلك مع مصروف يومي لأمه وأبيه بقيمة 250 دولارا دون احتساب نفقات الإقامة. إن الدولة التي تعاملنا بهذا العطف نطلب من الله أن يجعلنا نقوى على رد الجميل لها ولأهلها».
التقدير الذي يحظى به مغاربة «الخزنة» بالإمارات لايرتبط بالامتيازات التي توفرها سلطات أبو ظبي فقط ، بل إن كفيل مغاربة الخزنة ليس شخصا عاديا كما هي تقاليد الاحتضان هناك. إن كفيل مغاربة الخزنة كان هوالمرحوم الشيخ زايد نفسه.
اليقين محمد، وهو من القيدومين بالإمارات، يستعيد ذكريات تواجده الطيبة هناك بشعور خاص، بحيث صرح ل«الوطن الآن» بأن «المرحوم الشيخ زايد كان يشملنا بعطف كبير، خاصة في شهر رمضان المعظم. كان ينظم رحمه الله في ذلك الشهر الكريم احتفاء لا مثيل له بمغاربة المكان. كان يقيم في الخزنة إلى جوارنا. فطوره هو فطورنا، وعشاؤه هو عشاؤنا».
«وأذكر، يضيف اليقين محمد، بأن الشيخ كان قد زارنا في سنة 1988، وحل بكل دار من دورنا. وكثيرا ما أكرمنا. وكان يسعد حين يرى أن المنطقة قد أصبحت، بفضل السواعد المغربية، في مستوى متطور. الأكثر من ذلك أنه كان يعتز بمحافظة المغاربة على تقاليدهم لأنه كان يريد أن يرى داخل محيط الإمارات، مغاربة يحافظون على ثقافتهم الخاصة».
في هذا السياق الاستعراضي لمواطنينا هناك، استخلصنا المعطيات التالية:
لقد حلت بمنطقة الخزنة في وقت انطلاق المشروع خلال موسم 1985ـ 1986 مائة عائلة مغربية، وهاهي اليوم تصل إلى 400 عائلة مكونة من 1800 فرد، بحيث سمح الزمن بتناسل السلالة بفعل المصاهرات المغربية- المغربية. أما الأبناء فيتوزعون حسب ظروف التمدرس والاشتغال. الذين لا يزالون في طور التمدرس يواصلون دراستهم في المؤسسات التعليمية الجيدة المقامة بمنطقة الخزنة، بحيث توجد مدرسة للبنات، وأخرى للأبناء، ومركز صحي وكل المرافق الأخرى. ولأن الزمن ممتد فقد كانت لهؤلاء الأبناء توجهات غير الفلاحة. بعض هؤلاء اختاروا وظائف الشرطة أو القطاع الخاص أو التمريض أو التعليم أو التجارة. والبعض الآخر انتقل إلى العيش في مدينة أخرى حسب الظروف المتاحة.
ولأن المغاربة، بالرغم مما يشعرون به من امتياز المواطنة في ظل الشيخ زايد وابنائه بعده، كان لا بد أن يذكروا مسؤوليهم المباشرين داخل السفارة المغربية.
يقول أوسعيد مبارك: « لقد كانت علاقتنا مع السفراء المغاربة دائما جيدة وكانوا دوما سندا لنا. ومع السفير الحالي محمد أيت وعلي نحس بأننا في وضع أحسن. وأفضاله كثيرة علينا وطور علاقاتنا مع السفارة نحو التميز».
وماذا لو عاد الزمن إلى عام 1985 وطرح السؤال على مغاربة الخزنة: هل كنتم ستعودون إلى الإمارات العربية؟ ألم تندموا على مغادرة المغرب؟
الجواب كان حاسما من محاورينا: «ومن قال لك إننا نادمين فنحن محط ثقة الإماراتيين ومرحب بنا أينما حللنا والسلطات المغربية ترعانا والسلطات الإماراتية تحيطنا بالعطف والاهتمام. ولو عاد الزمن لأخذنا القرار بالمجيء إلى الخزنة بدون تردد».
المركز الصحي الخزنة المزود بكل الامكانيات الطبية
مشاركة كبار المسؤولين الإماراتيين في الاحتفال الذي أقامه مغاربة الخزنة بمناسبة العيد الوطني للإمارات
بطولة لكرة القدم تجمع أبناء المغاربة بأبناء الإمارات، وهي مشاهد تتكرر على طوال السنة