الأستاذ محمد المرابط يكتب عن: ضروب الوعي الإيديولوجي لمواقع الوهابية الرسمية، في تلقي ندوة السلفية

الأستاذ محمد المرابط يكتب عن: ضروب الوعي الإيديولوجي لمواقع الوهابية الرسمية، في تلقي ندوة السلفية

ما إن أشرنا في مقالنا "ندوة المجلس العلمي الأعلى حول السلفية: من تزييف التاريخ إلى الانقلاب على المشروعية"، إلى تنزيل استحقاقات هذه الندوة على طريق مزيد التمكين للمخطط الوهابي الإخواني، في كلية أصول الدين بتطوان على لسان الأستاذ محمد الروكي، وفي المجلس العلمي بالمضيق من خلال محاضرة تفتقد إلى الشرط الأكاديمي للأستاذ عبد الله الشارف حول "مسؤولية العلماء تجاه التيار الحداثي"، حتى أرسلت علينا هذه الكلية وهذا المجلس شواظا من نار الوهابية، على لسان أحد الطلبة الوهابيين الشباب، بسلك الماستر بالكلية، ليهددنا: "التيقار والتيساع نعام آسي.. ولا وجد ودنك.. لجبيد"، وهو يرى في صورتي،عبد الفتاح السيسي بقوله: "لست أدري لم رأيت وجه السيسي، حينما وقعت عيني على صورة محمد المرابط في تلكم الجريدة؟!"، لعله يتخذ بهذا التهديد يدا لدى رئيس جامعة القرويين وعميد كلية أصول الدين، وأساتذتها من الوهابيين، وأستاذه رئيس المجلس العلمي بالمضيق، لحجز ورقة المرور من سلك الماستر، إلى سلك الدكتوراه، وهو يستلهم سيرة هذا الأستاذ، في التعامل مع قضية أطروحة محمد المرابط، في مطلع الألفية الثالثة. وما أكثر المتسلقين في ذلك الوقت، لو تكلم الأستاذ إدريس خليفة في شأن حلفائه بالأمس، أين هم منه اليوم، وقد حولوا الكلية من بعده إلى واحة فيحاء للوهابية حتى في تمثيلية الطلبة في رحاب مجلس جامعة القرويين؟

"رسالة" تهديد هذا الشاب "السلفي"، سنضعها لاحقا في نسق تحليل اليوم، لأن ما نكتبه لا يدرك حقيقته إلا أرباب النهايات، وبالتالي فهو قد يضر بأصحاب البدايات، والحال أننا لا نخفي حرصنا من منطلق ضرورة ترشيد الأصولية، على أن يتنسم شبابها، النقاش العام بمصداقية وخلق، وأن ينزهوا أنفسهم ما استطاعوا، من لعب دور مخلب قط في لعبة الكبار، لنحت شخصيتهم المستقلة.

ما كانت لتتناسل هذه المظاهر، عقب ندوة المجلس العلمي الأعلى حول السلفية، لو أن هذه الندوة رامت فعلا تحقيق المفهوم وبيان المضمون، وليس توفير المناخ المناسب بفعل إرادة التخليط  والتلبيس، لحلقات أخرى من التمدد الأصولي. وكل حلقة تتلوها حلقات في مسمى هذا المخطط الجهنمي وبمشروعية الدولة، لنجد أنفسنا في النهاية أمام السؤال التالي: ما هي الوظيفة الحقيقية لإمارة المؤمنين؟ هل هي مرجعية لتحصين البلاد، أم يراد لها أن تكون مرجعية لهدم معمارها المذهبي والمؤسساتي؟ لقد نجح من يسمون من الأصولية بـ "المعتدلين جدا"، من الانقلاب على وظيفة مرجعية إمارة المؤمنين، فأصبحت البلاد أسيرة لا فكاك لها، ما بين مطرقة المتطرفين وسندان المؤلفة قلوبهم، حيث أصبحت هذه المرجعية لا تضمن الطمأنينة الروحية حتى لصاحب الأمر، فأحرى لعموم المغاربة، بل وأحرى أن تترجم باقي وظائفها الأخرى. فأين هم عقلاء هذه الأمة؟

كان يفترض في تلك الندوة، أن تصحح قراءة الوهابية لتاريخ المغرب، بما في ذلك تمحيص سلفية المولى سليمان. إذ الراجح أنه كان محافظا وليس وهابيا. وقراءة أبي القاسم الزياني لسيرته في "الترجمانة الكبرى" و"جمهرة التيجان"، فضلا عن إشارته في مواصلة سياسة سلفه بخصوص عطايا الأشراف، في "نزهة الحادي المطرب في رفع نسب شرفاء المغرب"، قد يزكي هذا الترجيح.

كان يفترض في تلك الندوة، أن تحدد مقالات الاختلاف بيننا وبين الوهابية من خلال ردود المغاربة عليها. وكان يفترض، وهذا بيت القصيد، أن يتم التمييز بين السلفية المغربية الوطنية أيام الحماية الاستعمارية والتي كانت معنية بمقولات تحرير البلاد وإصلاحها، وبين السلفية الوهابية في المغرب، والتي كان يرفع لواءها بالسب والتكفير والتقية والتدليس، محمد تقي الدين الهلالي، وبدعم استعماري تآزرت فيه لعبة الأمم في ذلك الوقت، ناهيك عن السعودية الدعوة في المشرق العربي. لكن يظهر أن أهداف القائمين على هذه الندوة، كانت مغايرة تماما. وكان لهم ما أرادوا.

لذلك سنضع تفاعلات ترجمة استحقاقات هذه الندوة في قعر المرآة، لقراءة حتى هذا التهديد لسيسي المغرب. من هنا سنركز في التشجير التالي على ميلاد الوهابية في المغرب، والتي لا علاقة لها بما يصطلح عليه بالسلفية المغربية، التي صنعت الحركة الوطنية، فصنعت -بميثاق ثورة الملك والشعب- استقلال البلاد، والتوجه العام لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. إذ لم يعرف عن السلفية الوهابية في المغرب، أنها تصدت للاستعمار، بل إنها وظفت الحماية الاستعمارية لسب رموز السلفية المغربية، وهدم الأدبيات المذهبية للبلاد. فالمخطط الأصولي يشتغل بمراحل، تبتدئ من هدم الثوابت المذهبية في الدين، لينتقل إلى هدم مقومات العيش المشترك في العلاقات العامة، لينتهي إلى استهداف رأس الدولة، في أسس التعاقد الوطني. والغريب في الأمر أن المخطط الأصولي انتقل في تحقيق أهدافه، من الحماية الاستعمارية إلى الحماية المخزنية. وفي هذا المساق ينبغي قراءة عرض خدمات الشيخ زحل في تحالف الأصولية والقصر، لمواجهة القوى الديمقراطية، علما أن موقع العرش هو ضمن السلفية المغربية، وليس ضمن السلفية الوهابية. وهذا أمر يجب أن يعيه جيدا الساهرون على أمننا الروحي.

إذن فميلاد الوهابية بالمغرب، كان على يد، تقي الدين الهلالي. وللتعرف على خطاطة العمل الوهابي، سنقف على كتابه "الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة". فهو مفيد في هذا الرسم البياني، انطلاقا من تبديع الثوابت والحكم بالشرك على عقائد المخالفين من عموم الناس وخاصتهم وترهيبهم، وهدم المعالم والمشاهد، واستعمال أدوات التدليس والتقية والعمالة، للاستبداد بالأمر، وانتهاء بدوره في الانقلاب على الملكية في العراق. لنصغي إليه، بخصوص أعز ما يطلب في المخطط الأصولي، مع الأخذ في الاعتبار أن الملكية كانت تنتظره في المغرب لفهم التمايز في حبال صوته، وفواصل الانقطاع فيها: "والرئيس عبد السلام عارف من أخص إخواننا السلفيين، وهو وفرقته قاموا بالانقلاب، ولم يشاركهم عبد الكريم قاسم إلا بموافقته. وقد أخطأ رحمه الله في هذا الانقلاب، وكان أول من صلي بناره، فقد حكم عليه بالقتل وسجن سنين وعذب، ثم أسعده الحظ حيث تمكن من قتل عدوه في أواخر الأمر وشريكه في أوله، واستولى على الحكم، فكتب إلي بخط يده وأنا في المغرب يقول: نحن تلامذتك، ونحن سائرون على الخطة التي اقتبسناها من دروسك، وأبواب العراق مفتحة في وجهك فأقبل إلينا. فشكرته على ذلك ولم أقبل دعوته. وما أدري كيف شعر بذلك أخونا السلفي الأستاذ محمود مهدي الإسطنبولي، فكتب لي يقول: علمت أن عبد السلام عارف من تلامذتك، وهذه فرصة لا تضاع، فهلم نسعى في عمل شيء ينفع الإسلام والمسلمين. فاعتذرت له ولم ينشرح صدري لذلك لأني لم أتوقع نجاحا".

سنرجئ التفصيل أكثر في بعض جوانب هذه الخطاطة في الجانب المذهبي وآلية الاشتغال، إلى حين وقوفنا على تهديد الوهابي طارق الحمودي. ومع هذا الاختزال، تبقى هذه الإشارة إلى أعز ما يطلب  في المخطط الأصولي، دالة في باب المخاطر التي تتهددنا، من خلال شرعنة ندوة السلفية، لهذه العقلية الانقلابية في دواليب بنيات الحقل الديني.

لقد خلف الهلالي تلامذة من طنجة، كالزمزمي بن الصديق. وهو الذي كفر أخاه أحمد بنصديق عقب توسله أثناء النزع الأخير بالرسول (ص). وتتفرع هذه الشجرة من أبناء الزمزمي، عبد الباري وأبي، لتشمل غصونها اليوم الأستاذ محمد التمسماني عميد كلية أصول الدين بتطوان، والكل يتذكر أن يوم تنصيبه  كان يوما وهابيا وإخوانيا بامتياز. أما تلامذة الهلالي في تطوان فعميدهم الشيخ محمد بوخبزة، والمعروف عن بوخبزة الطعن في رمز السلفية المغربية كشيخ الإسلام مولاي بلعربي العلوي وبوشعيب الدكالي، بالرغم من محافظتهما، حيث تضعنا الخريطة الوهابية في تطوان أمام أسماء: المنتصر الريسوني، وحسن الوراكلي وإسماعيل الخطيب، وعمر الحدوشي وتوفيق الغلبزوري، وعبد الله الشارف... وتضعنا هذه الخريطة أيضا أمام جمعيات كـ "البعث الإسلامي"، وجمعية "أهل الحديث" و"ابن عبد البر"، و"أبي زيد القيرواني"، وفرع تطوان لـ "معهد الغرب الإسلامي"... كما تضعنا أمام تجاذبات تيارات تقليدية ومغراوية وجهادية، كلها تحاول الارتباط بالشيخ بوخبزة،رحمة الله على الجميع أحياء وأموات.

غرضي من خطاطة هذا التشجير للسلفية المغربية، والوهابية انطلاقا من هذه الحواضر في الشمال، إلى جانب التمهيد للآتي من القول، في التهديد الوهابي/السلفي، ثلاثة أمور بصيغة السؤال:

الأول: ألم يكن الأستاذ أحمد التوفيق في موقع اجتراح الخطأ، وهو يضع  المغاربة والخوارج في مقام  واحد من الفضل والثواب، ومن مشروعية العمل في الحقل الديني؟

الثاني: ألا يجعل التمكين للسعي المحموم للشيخ زحل، لنقل موقع العرش من السلفية المغربية، إلى السلفية الوهابية، تهديد الوهابي/السلفي طارق الحمودي، لمن يعتبره سيسي المغرب، ضمن مقتضيات موقع هذه المعادلة؟

الثالث: ألا نلاحظ، على ضوء مفتتح هذا المقال، اصطفاف الأصولية لحماية المواقع الرسمية للوهابية في كلية أصول الدين بتطوان، والمجلس العلمي بالمضيق والتعليم العتيق، وقد أصبحت هذه الفضاءات تمثل المجال الحيوي للوهابية والإخوان؟

وبالجملة، فقد تعددت أوجه التقاط رسائل ندوة السلفية: زحف وتدليس وتهديد. وكما في علم مهندسي الخطاطات الذهنية، أن أي هدف، هو سابق في التقدير، لاحق في الوجود. فماذا ننتظر، وما أكثر لواحق هذه السوابق؟...