الأستاذ عبد الكبير طبيح يكتب عن: الفساد أو الزنا بين منع بلاغ وزير الاتصال وتشجيع مسودة وزير العدل

الأستاذ عبد الكبير طبيح يكتب عن: الفساد أو الزنا بين منع بلاغ وزير الاتصال وتشجيع مسودة وزير العدل

إذا كان من القواعد الكبرى التي حث عليها ديننا الحنيف وهي الصدق في التعامل بين الناس فيما بينهم، أي أن يفعلوا ما يقولون وليس العكس من ذلك، فإن هذه القاعدة تفرض  نفسها بقوة أكبر على الذين يديرون شؤون المسلمين والمسلمات.

والصدق التزام لا محيد عنه ولا تسامح فيه في من يريد إدارة مصالح المسلمين والمسلمات، لهذا قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: "يا أيها الذين آمنوا لم يقولون ما لا يفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" صدق الله العظيم.

التساؤل الذي يطرحه اليوم كل المغاربة هو، هل ما ضمنه وزير الاتصال في بلاغه الرامي إلى منع فيلم MUCH LOVE من أن يعرض في قاعات السينما هو بلاغ يحمل رأيا صادقا أي يعبر على ما تقوم به فعلا، وهل الحكومة الحالية بالفعل تريد محاربة العلاقات الجنسية خارج الزواج، أم أن خطابها يتناقض مع ما تقوم به فعلا عن طريق القوانين التي تريد تطبيقها على المغاربة؟

بدون الدخول في مساءلة وزير الاتصال كيف له أن يمنع فيلما رخص له من قبل أن يبدأ في تصويره  وتابعت إنجازه الإدارة بعدما تم الاطلاع على السيناريو المتعلق به، ويقوم اليوم بإصدار بلاغ، وليس  حكم من المحكمة، يمنع عرض الفيلم المذكور في دور السينما.

لن أعرج في هذا المقال، على مضمون الفيلم ولا تقييم ما حمله للمشاهد من مناظر، لأن هذا النوع من الأسئلة وقضايا يرجع إلى ذوي الاختصاص والنقاد في مجال فن السينما .

غير أن هذا التحفظ لن يمنع كل من اطلع على ما نشر من مقاطع من أن يتوقف عند الكلمات التي استعملت من طرف الممثلين والممثلات، والتي أثارت عدد من بذلوا جهدا في البحث عن تلك المقاطع في المواقع الإلكترونية أو غيرها واتخذوا، بعد المشاهدة الكاملة لتلك المقاطع، موقفا من الفيلم بكامله، لأضع سؤالا بسيطا مفاده ما يلي: لو استعملت الممثلات اللغة العربية في حوارهن، فهل سيحدث الفيلم المذكور نفس الضجة التي أحدثها اليوم أم لا؟

الجواب يمكن أن ننتظره ممن يطالبون بأن تصبح لهجة الدارجة لغة يومية نتعامل بها مع تلامذتنا في المدرسة ومع أبنائنا في بيوتنا وفي وسطنا العائلي، وهذا موضوع آخر.

أعود إلى بلاغ وزير الاتصال الذي أصدر "حكما" يمنع به عرض فيلم MUCH LOVE بدون أن يضمن بلاغه السند القانوني الذي يعطي لوزير الاتصال منع عرض فيلم مغربي رخصت الإدارة بإنجازه وسهرت وتابعت تصويره، وهي الإدارة الموضوعة تحت إمرة رئيس الحكومة طبقا للفصل 89 من الدستور وكذا وفق القانون المنظم للمركز السينمائي.

يعلم وزير الاتصال بكون بلاغ المنع هو غير قابل للتنفيذ، لكنه استغل المناسبة ليقدم نفسه وحكومته كمن يحاربون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج أي الزنا أو الفساد وكمن يدافع وحده على القيم الدينية في مواجهة الآخرين الذين هم، بالإيحاء، المعارضون لسياسة هذه الحكومة، مع العلم أن موقف وزير الاتصال واستعماله لكلمات تتعلق بالأخلاق الدينية وعبارات تتعلق بالدفاع عن كرامة المرأة يأتي في سياق تتهيأ فيه البلاد لانتخابات على عدة مستويات.

فوزير الاتصال استعمل آلية الخطاب للتوجه إلى عامة الناس من أجل الضغط على ما يهز المواطن في مشاعره لاستقطاب عواطفه في طريق محاولة استقطابه هو بعد ذلك انتخابيا.

ومما يؤكد أن خطاب الحكومة "الأخلاقي" هذا لا علاقة مع ما تمارسه هذه الحكومة فعلا، يتبين من الرجوع إلى القوانين التي تنوي تطبيقها على المغاربة ومنها مسودة وزير العدل حول القانون الجنائي، والتي يظهر بكل وضوح أن وزير الاتصال لم يطلع عليها، وإلا لما أصدر بلاغه المذكور أعلاه.. بل إن بلاغ وزير الاتصال يؤكد مرة أخرى انعدام وجود أي تضامن أو تنسيق بين أعضاء الحكومة التي تردد يوميا أنها تطبق المنهجية التشاركية مع مكونات المجتمع، بينما هي لا تشارك حتى بين أعضائها مشاريع القوانين التي تقدمها للمغاربة.

فمسودة وزير العدل المتعلقة بتعديل القانون الجنائي تحمل مقتضيات قانونية تسير في الاتجاه المعاكس لما ضمنه وزير الاتصال في بلاغه المذكور .

ذلك أن مسودة وزير العدل غيرت التعامل مع الذين يمارسون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، أي الزنا أو الفساد، والتي يعاقب عليها القانون الجنائي الحالي بعقوبة حبسية حدها الأقصى هو سنة نافذة، كما ورد في الفصل 490 من القانون الجنائي الحالي الذي ينص على ما يلي: "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة".

فواضح من هذا الفصل أن الدولة والمجتمع اعتبرا أن جريمة الفساد والزنا هي جريمة مشينة، لهذا عاقب عليها القانون الجنائي الحالي بالعقوبة المذكورة.

فكيف ستتعامل حكومة وزير الاتصال مع فعل الزنا أو الفساد أو العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج ؟

الجواب نتركه لمسودة وزير العدل التي تقدم لنا تصور الحكومة  للتعامل مع جريمة الزنا، أي كيف ستواجهها.. وهو الجواب الذي يقدمه التعديل الذي تقترحه مسودة وزير العدل على الفصل 490 والذي نص، حسب المسودة، على ما يلي: "كل اتصال جنسي غير شرعي بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة من 2.000,00 درهم إلى 20.000,00 درهم أو إحدى هاتين العقوبتين".

وهكذا يلاحظ أن مسودة وزير العدل حول القانون الحالي حملت التغييرات الكبيرة التالية على جريمة الفساد أو الزنا :

1- إن مسودة وزير العدل خفضت من عقوبة الفساد من سنة نافدة وجعلتها 3 أشهر فقط كحد أقصى أي بإنقاص ما يقرب من 80% من العقوبة المنصوص عليها في القانون الجنائي الحالي .

2- إن مسودة وزير العدل سمحت بأن تعوض عقوبة الحبس القليلة تلك بالغرامة من 2.000,00 درهم إلى 20.000,00 درهم.

3- إن مسودة وزير العدل بهذا التعديل سمحت بأن يعفى مرتكب الفساد حتى الغرامة، أي لا تصدر عليه أي عقوبة كيف ما كانت بالرغم من ثبوت الجريمة، وذلك طبقا للفقرة 6 من الفصل 147 من القانون الجنائي الذي يسمح بتمتيع المتهم بظروف التخفيف في مثل هذه الجنح، بل وبإعفائه حتى من الغرامة.

وهكذا تبين أن الحكومة أزالت عمليا العقاب على جريمة الفساد والزنا، مما يعني أنها تتسامح مع الممارسات الجنسية خارج إطار الزوجية وتسمح بعدم إصدار أي عقوبة لا حبسية أو حتى غرامة مالية على مرتكبيها.

وإذا كانت سياسة الحكومة و نيتها هي التي عيرت عليها في مسودة وزير العدل حول القانون الجنائي، فلماذا ينشر وزير الاتصال خطابا متناقضا لما ستقوم به حكومته فعليا، إذا لم يكن الغرض هو دغدغة عواطف الناس واستعمال قيم الدين الإسلامي من أجل تهييج الرأي العام لتظهر أعضاء الحكومة بمظهر المدافع على تلك القيم، في الوقت الذي سمحت مسودة وزميله في الحكومة بعدم صدور أي عقوبة حبسية أو مالية على من يرتكب جريمة الفساد أو الزنا .

 أليس تصرف الحكومة هذا هو نموذج لمن يقولون وما لا يفعلون؟