تِسْليتْ اونزار: المغاربة بين "ثمانية" لبنى أبيضار و"مؤخرة" جينفر لوبيز

تِسْليتْ اونزار: المغاربة بين "ثمانية" لبنى أبيضار و"مؤخرة" جينفر لوبيز

أصبحنا نرى من كل القذارة أنواعا، حتى أن البعض لم يعد ينفعل واللامبالاة صارت رد فعل عادي، لا عجب، فنحن في بلد الاختلاف والتنوع والتلاقح والتزاوج والتباوس وما شئتم.. فنحن القلب الواسع والعقل والكرم الغادق!

من جهة، مازلنا في حَمية وطأة "الزين اللي فيك"، حتى تدخل علينا جينفر لوبيز بيوتنا من دون استئذان وهي شبه عارية، وتتسبب في تشتت الأسرة، كل يهرول إلى زاوية وحالة ارتباك في تغيير المحطة التلفزية لإنقاذ الموقف ويتعطل جهاز التحكم عن بعد... الشوهة وْخْلاصْ!

من دون طول مقدمات، المخرج نبيل عيوش ومؤيدوه، يرون في الفئة المعارضة للفيلم الحدث، أنهم متخلفون عن الركب الحضاري، أنهم معقدون جنسيا، وأنهم يحجبون الشمس بالغربال وهم منافقون دينيا.

يعني أن المخرج ومؤيديه، هم الواعون، المنفتحون ثقافيا، المعتدلون جنسيا، ولا يسترون ضوء الشمس، وهم المتدينون أو غير متدينين!

لنقف عند تصريح للمخرج كان قد أدلى به لإذاعة "هيت راديو" مؤخرا، حيث قال إن الفرنسيين عندما شاهدوا فيلمه في مهرجان "كان"، هنئوه وأخبروه بأنه كان محافظا شيئا ما في معالجة هذا الموضوع، إذ كان بإمكانه تناوله بطريقة أكثر انفتاحية مما فعل، فيستغرب لما تقوم القيامة عندنا بسبب شيء عادي كلنا نعلم بوجوده!

نرد على المخرج ونقول له إن الرأي الفرنسي أو الغربي، لا يعنينا في شيء، فلا مجال لمقارنة مكونين غير متكافئين؛ فرنسا تمثل الغرب المسيحي العلماني أو الملحد، فأي رأي لها في فيلم موجه إلى مجتمع ذو خصوصية دينية وثقافية مختلفة جدريا. على المخرج أولا أن يحدد لنا موقع انتمائه كي نعلم من أي جهة يدافع عن فيلمه حتى نعرف بدورنا أي رد نقدمه له.

لكن، لنكن موضوعيين، لحد الساعة، اللجنة التي منعت عرض الفيلم لم تشاهده واستندت في قرارها إلى بعض المشاهد المسربة على الشبكة العنكبوتية.. لجنة الدعم بلسان الصحفية فاطمة الإفريقي، تقول بأن السيناريو الذي سُلم لها أثناء تدارس فكرة إنجاز الفيلم، لا يمت بصلة لسيناريو الفيلم الذي خرج للوجود، والمخرج يقول في تصريح آخر أنه فعلا، قدم للجنة سيناريو باللغة الفرنسية، مما يجعلنا نفهم كأذكياء، أنه أثناء ترجمة الحوارات وتنفيذ المشاهد، أخذ كامل أريحيته، بل جلب شارع الليل بلغته الزنقاوية والتي يقول عنها إنها لغة بائعات الهوى، ولا يمكنه تجميلها لأن واجبه هو نقل الواقع كما هو دون تشطيب أو تحريف. مْسكييين، أيظن نفسه منجزا لفيلم وثائقي عن الدعارة حتى يلتزم بالفاصلة والنقطة في التصوير؟

عليه فقط أن يعلم، أننا كمغاربة، قد نذهب لدور السينما مع أسرنا، مع أبنائنا وآبائنا، وهذا فيلم يعالج ظاهرة مسكوت عنها عندنا، أي تعنينا، فهل يعقل أن نشاهد هذا العمل ونحن مجتمعون كي نستفيد من العبرة التي جاء بها؟ أكيد لا، لأنه يفرق ولا يجمع، ولأن العبر في هكذا محتوى، لا يلتفت لها الناس كثيرا، فجاورها يسرق الأضواء.

المفروض أيضا أن السينما هي ذات رسالة توعوية، فماذا سيستقر بذهن الطفل أو الشاب إن سمع حوارا نابيا طالما مُنع عليه في البيت والمدرسة والشارع؟ وهل سيلتفت لموضوع الفيلم وهو كله لقطات ساخنة؟ آآه، على الأرجح سيكون شخصا معقدا وليست لديه تربية جنسية كافية لكي يكون عقلانيا مثل "إنشتاين" ويهتم فقط بحساب "تمانيتون'! .. لنقل أن نبيل عيوش زادْ فيه أُو بْلا فلسفة.

أما منع الفيلم من دور العرض، فالمخرج ومن يساندونه يرون أنه قرار جائر، لأن القرار يعود للجمهور أولا وأخيرا، هو يختار أن يشاهده أو لا، خصوصا أنه موجه للقاعات السينمائية وليس للشاشة الفضية، وبالتالي فلن يُفرض على الناس، فالقاعات السينمائية تبقى اختيارية لمن أراد الدخول إليها أو لا، وعليه، فليست للجنة الرقابة وصاية على الجمهور في اتخاذ قراراته.

و من جهة أخرى عزيزي القارئ، تطل علينا المطربة الأمريكية "جينفر لوبيز"، تدخل بيوتنا لا أهلا ولا  سهلا ومن دون سابق معرفة، ونحن على المائدة؛ أم، أب، أخوات وإخوة.. وهي شبه عارية مع فرقتها من إحدى منصات مهرجان موازين إيقاعات العالم. طلَّةُ جِي لُو زعزعت المائدة وفرقت الشمل وكل أفراد الأسرة يتمتمون :"الله يخليها قناة، أَويلي، أش هاد المسخ؟".

الفنانة الأمريكية هي معتادة على هكذا عروض في موطنها وفي أشباهه، لكن أن تأتي إلى بلد مسلم، محافظ (ولو متسم بالنفاق الديني) وتقيم مثل ذاك العرض الراقص الماسخ المستوحى من أفلام البورنوغرافيا، فأكيد اللوم لا يقع عليها، بل على من استدعاها مقابل الملايين من الدراهم من أموال الشعب، ولم يحمل نفسه عناء تفهيمها طبيعة البلد الذي ستزوره وطبيعة ثقافته.. اللوم يقع على من يصرف ملايين طائلة في حفلات شبه ماجنة علنا، ويفرضها على المواطن وهو في بيته.. اللوم يقع على من تفاقم نفاقهم الديني والمجتمعي، حيث يرفضون فيلم "الزين اللي فيك" لأنه تعدى الخطوط الحمراء وكل الخطوط الملونة، ولو أن موضوعه يتناول واقعا ملموسا عندنا وليس غريبا عنا، وإذ بهم يفتحون الصدور والجيوب لمطربة عرفت عالميا بإثارتها الجنسية، لتحيي في قعر دارنا سهرة ساقطة، دون أن يحسب حساب للأخلاق وطبيعة المجتمع المحافظ كما أمطروا بهذه المثاليات نبيل عيوش ابن البلد، حيث منع فيلمه وحيث استقبلت جي- لُو بالأحضان وغادرت بْضْمسة ديال الفلوس!

ما هذا النفاق الذي بتنا ننغمس فيه؟

ما هذه السكيزوفرينيا التي بتنا كلنا مصابين بها؟

نمنع عملا محليا لأنه يمس يستهين بأخلاقنا، ونقبل عملا أجنبيا فاسقا يضرب في كل شعاراتنا الزائفة ويعري على أمور لم نستوضحها بعد جيدا؛ أهي عشرة ملايين سائح؟ أمن أجلها بلدنا صارت ممسحة أرجل لكل وساخة وقذارة؟ هل تستحق أرداف "جينفر لوبيز" مبلغ مليون دولار، الشعب أولى بها؟ لما لا، وهي التي وضعت تأمينا على مؤخرتها المشهورة عالميا بقيمة 200 مليون أورو!

يبدو أن العملة الصعبة تبقى الأهم مقارنة مع شيء اسمه "السمعة"، والأجنبية المكتنزة الجسم تبقى أفضل من الفيلم المغربي، لأنها في جميع الأحوال أجنبية وليست مِنا.. وتلك عقدة أخرى اسمها "عقدة الأجنبي"... إوا سيروا الله ياخذ فيكم الحق كِيف مَّا شْوهتونا!

مازال لدي الكثير لأقوله، ولكن رائحة العفن من بعض منصات مهرجان موازين أزكمت أنفي، ولم أعد أحتمل. سأختم فقط ببيت شعري نحن في أمس الحاجة إلى استحضاره دائما:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن هُمو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

هل فعلا هذا القول يعنينا؟ أم صرنا كمن يخبط خبط عشواء، كما الهائم في بوهيميةٍ ما عاد يعنيه من الوجود إن عاش أو مات..