الموقف من عشرات أحكام الإعدام في مصر لم يعد خيارا، تمتحن به الأذهان أريحيتها الأخلاقية وقدرتها على العيش السليم تحت الخيمة المبدئية التي صاغتها الحداثة لنفسها، بل هو واجب الحب الإنساني، واجب حب مصر وتنبيهها إلى الغول الذي يتربى في أحشائها.
ليس محمد مرسي، الإخواني الذي بشر نفسه بالموت من أعلى منبر الرئاسة في مصر، في مشهد يذكرنا بالتراجيديات المخصبة في المسرح الإغريقي، مثال جيد للحديث حول جدوى الإعدام في تلطيف القناعات أو تحويرها. ولا هو بجار جيد للقلب، أو رفيق محتمل في الفكر، لكنه يشكل، رفقة أعضاء دربه الحزبي المحكوم عليهم بالإعدام مع ذلك، العنوان الأبرز للخوف على أرض الكنانة، وعلى الانزلاق المحتمل للنزعة "التصحيحية"، التي قادها عسكري منجم!
وهو إلى ذلك امتحان جدي للقناعات المؤمنة بمناهضة أحكام الإعدام من جهة، وللتحليلات التي كانت ترى أن خروجه من المسرح السياسي بمثابة عودة التاريخ المصري الحديث، لما بعد الربيع العربي، إلى جادة الصواب.
لم تقنع كل الوصفات العملية، وممارسات التكتلات الشعبية والنخبوية، التي لا غبار على حرصها الوطني ونواياها المتخوفة من استبداد ديني مشرقي طاعن في الثأر، في أن تطمئننا لحد الساعة على سلامة المسار الذي أعقب الثورة الميدانية الثانية والعودة إلى صناديق الاقتراع في تمرين جديد يعطي فرصة إضافية للثورة لكي تثبت سلامتها الديمقراطية.
أحكام الإعدام دليل على تصعيد، يتم باسم البلاء، بناء على مسوغات سابقة، بأن الخطر الذي يمثله الرئيس السابق ما زال قائما.
والحال أن الخوف غير من معسكره وأصبح لدى كل الذين أحبوا مصر وثورتها، حتى وهي تنزع البذلة العسكرية وتجرب البذلة المدنية الموقعة بالأحرف الأولى لمصممي المستقبل الغامض ..
خوف الذين يرون أن الأحكام تدريب مصر ما بعد 3 يوليوز، على أن تكون شبيهة بمصر ما بعد إعدام سيد قطب، بما يعني ذلك من تقوية نزوعات التطرف في الأوساط التي التزمت سياسيا بالثورة بالجوار مع الإخوان، وليس تحت شعارهم، وتطرف في الأوساط التي أرادت خوض التجربة من داخل الدولة الحديثة في اختبار التاريخ الدعوي للحركة، وتطرف الذين سوف يجرفهم اليأس من بناء سلمي للمؤسسات الحديثة بدون دماء ولا ثورات ولا.. جزمات.
وهي أحكام، في النهاية ستعطي الحق لمن يريد أن يخرج من جبة العصر السياسي والعودة إلى أيام «الحاكمية» عند سيد قطب، وعقيدة الولاء والبراء في عهد الجماعات الإسلامية والقاعدة في «لوكها» الجديد.
لن نبحث عن مبررات لمناهضة الإعدام، بل لم يعد هناك مبرر للصمت إزاء الذي يحدث في بر مصر الآن، باسم الدفاع عن الوطن ومؤسساته.. والوطن المصري نفسه، الذي برر الانتفاضة ضد الإخوان يستحق أن يتقدم نحو سلامة أراضيه تحت مظلة أخلاقية أكبر من مشنقة الإعدام.
لقد تم الحكم بالإعدام على مرسي وجماعته، عندما تم حلها، ولما تم تصنيفها ضمن جماعات إرهابية، ولما تمت مطاردة أعضائها من كل تراب الدول المجاورة، بما فيه تلك التي آوتهم طويلا، لكن كل ذلك لم يلغ الجماعة من خارطة التوتر الداخلي أو الإقليمي.
هناك إعدامات تنفذ ولا يمكن السكوت عنها،
وإعدامات تصدر ولا يمكن السكوت عنها،
وقراءات في النوايا لا يمكن السكوت عنها، باسم أي مبرر، إيدولوجي أو سياسي أو أمني، لأن المعادلة السياسية معروفة، وغير قابلة للتكتم،..